ما تزوج أحد بزوج مثلك، لا في الحسن ولا في الجمال، فسمع أبو جهل ذلك فقام في الناس يقول: هذا المال من عند خديجة، فبلغ الخبر أبا طالب فخرج من وقته وساعته متقلدا سيفه، ووقف في الأبطح والعرب مجتمعون، وقال: يا معاشر العرب سمعنا قول قائل وعيب عائب، فإن كانت النساء قد أقمن بواجب حقنا فليس ذلك بعيب، وحق لمحمد أن يعطى ويهدى إليه، فهذا جرى منها على رغم أنف من تكلم، وتكلم (1) بعض قريش من المبغضين بالازراء على خديجة حيث تزوجها محمد صلى الله عليه وآله، وبلغ الخبر إلى خديجة فصنعت طعاما ودعت نساء المبغضين، فلما اجتمعن وأكلن قالت لهن: معاشر النساء بلغني أن بعولتكن عابوا علي فيما فعلته من أني تزوجت محمدا، وأنا أسألكم هل فيكم مثله، أو في بطن مكة شكله من جماله (2) وكماله وفضله وأخلاقه الرضية؟ وأنا قد أخذته لأجل ما قد رأيت منه، وسمعت منه أشياء ما أحد رآها، فلا يتكلم أحد فيما لا يعنيه (3)، فكف كل منهن (4) عن الكلام.
ثم إن خديجة قالت لعمها ورقة: خذ هذه الأموال وسر بها إلى محمد صلى الله عليه وآله وقل له:
إن هذه جميعها هدية له، وهي ملكه يتصرف فيها كيف شاء، وقل له: إن مالي وعبيدي وجميع ما أملك وما هو تحت يدي فقد وهبته لمحمد صلى الله عليه وآله إجلالا وإعظاما له، فوقف ورقة بين زمزم والمقام ونادى بأعلى صوته: يا معاشر العرب إن خديجة تشهدكم على أنها قد وهبت نفسها ومالها وعبيدها وخدمها وجميع ما ملكت يمينها والمواشي والصداق والهدايا لمحمد صلى الله عليه وآله، وجميع ما بذل لها مقبول منه، وهو هدية منها إليه إجلالا له وإعظاما ورغبة فيه، فكونوا عليها من الشاهدين، ثم سار ورقة إلى منزل أبي طالب رضي الله عنه، وكانت خديجة قد بعثت جارية ومعها خلعة سنية، وقالت: ادخليها إلى محمد صلى الله عليه وآله، فإذا دخل عليه عمي ورقة يخلعها عليه ليزداد فيه حبا، فلما دخل ورقة عليهم قدم المال إليهم،