قال: ثم إن صفية رضي الله عنها عزمت على الخروج من بيتها، فقالت لها خديجة:
امهلي قليلا، ثم أخرجت خلعة سنية وخلعتها على صفية، وضمتها إلى صدرها، وقالت يا صفية: بالله عليك إلا ما أعنتيني على وصال محمد صلى الله عليه وآله (1)، قالت: نعم، ثم خرجت طالبة لاخوتها، فقالوا لها: ما وراءك يا صفية، يا ابنة الطيبين؟ قالت: يا أخواتي قوموا إن كنتم قائمين، فوالله إن لها في ابن أخيكم محمد صلى الله عليه وآله رغبة ليس تدرك، ففرحوا بذلك كلهم غير أبي لهب، فإن كلامها زاده غيظا وحسدا لمحمد صلى الله عليه وآله، وذلك بسبب الشقاوة السابقة (2)، فزعق بهم العباس وقال: فما قعودكم إذ كان قد حصل الامر؟ فنهضوا جميعا إلى دار خويلد، وقد عمد أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وآله وألبسه أحسن الثياب، وقلده سيفا، وأركبه على جواده، ودار حوله عمومته وكلهم محدقون به، فلقاهم أبو بكر بن أبي قحافة وقال:
إلى أين تريدون يا أولاد عبد المطلب؟ لقد كنت قاصدا إليكم في حاجة خطرت ببالي، فقال له العباس: وما هي؟ اذكرها، قال: رأيت في منامي كأن نجما قد ظهر في منزل أبي طالب وارتفع إلى أفق السماء، وأنار واستنار إلى أن صار كالقمر الزاهر، ثم نزل بين الجدران فتبعته، فإذا هو قد دخل في بيت خديجة بنت خويلد، ودخل معها تحت الثياب، فما تأويله؟ قال له أبو طالب: ها نحن لها قاصدون، وعلى خطبتها معولون، ثم ساروا حتى وصلوا منزل خويلد فسبقتهم الجواري إليه، وكان يشرب الخمر، وقد لعب الخمر في رأسه، فلما نظر إلى بني هاشم قام لهم وقال: مرحبا وأهلا بأبناء آبائنا وأعز الخلق علينا، فقال أبو طالب:
يا خويلد ما جئنا إلا لحاجة (3)، وأنت تعلم قربنا منكم، ونحن في هذا الحرم أبناء أب واحد، وقد جئنا خاطبين ابنتك خديجة لسيدنا (4)، ونحن لها راغبون، فقال خويلد: