الذي ترون (1) غير ذلك؟ قلن: نرى نورا ساطعا، وضياء لامعا، قد بلغ عنان السماء، قالت: وما الذي ترون (2) غير ذلك؟ قلن: لم نر شيئا، قالت: أما ترون (3) القبة و والراكب والأطيار الخضر المحدقين بالقبة، فقلن لها: لم نر شيئا، قالت: أرى راكبا أبهى من نور الشمس في قبة خضراء (4) لم أر أحسن منها على ناقة واسعة الخطا، ولا شك أن الناقة هي ناقتي الصهباء، والراكب محمد صلى الله عليه وآله، فقلن: يا سيدتنا ومن أين لمحمد صلى الله عليه وآله ما تقولين، وليس يقدر على هذا كسرى ولا قيصر؟ فقالت لهن: فضل محمد أعظم من ذلك، ثم إن الناقة دخلت بين الشعاب، ثم قصدت باب المعلى، ثم إن الملائكة عرجت إلى السماء، وعرج جبرئيل عليه السلام بالقبة والاعلام، وانتبه النبي صلى الله عليه وآله من نومه، ودخل مكة، وقصد منزل خديجة فوجدها وهي تقول: متى يصل محمد حتى أمتع بالنظر إليه؟
وهي تقوم وتقعد، وإذا بالنبي صلى الله عليه وآله قد قرع الباب، قالت الجارية: من بالباب؟ قال:
أنا محمد، قد جئت ابشر خديجة بقدوم أموالها وسلامتها، فلما سمعت خديجة كلام رسول الله صلى الله عليه وآله انحدرت إلى وسط الدار، ووقفت بالحجاب، وفتحت الجارية الباب، فقال: السلام عليكم يا أهل البيت، فقالت خديجة: هنيئا لك السلامة يا قرة عيني، قال:
وأنت (5) يهنئك سلامة أموالك، قالت خديجة: تهنئني سلامتك أنت يا قرة العين، فوالله أنت عندي خير من جميع الأموال والأهل، ثم قالت: شعرا:
جاء الحبيب الذي أهواه من سفر * والشمس قد أثرت في وجهه أثرا عجبت للشمس من تقبيل وجنته (6) * والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا ثم قالت: يا حبيبي أين خلفت الركب؟ قال: بالجحفة، قالت: ومتى عهدك بهم؟
قال: ساعتي هذه، فلما سمعت خديجة كلامه اقشعر جلدها، وقالت: سألتك بالله إنك فارقتهم بالجحفة؟ قال: نعم، ولكن طوى الله لي البعيد، قالت: والله ما كنت أحب أن تجئ هكذا وحيدا، إنما كنت أحب أن تكون أول القوم، وأنظر إليك، وأنت مقدم