دخل منزله عمه أبي طالب، وكان أبو طالب فرحا بما عاين من ابن أخيه، فقبل ما بين عينيه وجاءت (1) أعمامه حوله، وقال أبو طالب: يا ولدي ما الذي أعطتك خديجة؟ قال:
وعدتني (2) الزيادة على ما بيننا، قال: هذه نعمة جليلة، وقد عزمت أن أترك لك بعيرين تسافر عليهما، وراحلتين تصلح بهما شأنك، وأما الذهب والفضة أخطب لك بهما فتاة من نسوان قريش من قومك (3) ثم لا أبالي بالموت حيث أتى، وكيف نزل، فقال: يا عماه افعل ما بدا لك، فلما كان وقت الغداة اغتسل النبي صلى الله عليه وآله من وعك السفر (4)، وتطيب وسرح رأسه، ولبس أفخر أثوابه وسار إلى منزل خديجة، فلم يجد عندها سوى ميسرة، فلما رأته فرحت بقدومه، وجعلت تقول:
دنا فرمى من قوس حاجبه سهما * فصادفني حتى قتلت به ظلما وأسفر عن وجه وأسبل شعره * فبات يباهي (5) البدر في ليلة ظلماء ولم أدر حتى زار من غير موعد * على رغم واش ما أحاط به علما وعلمني من طيب حسن حديثه * منادمة يستنطق الصخرة الصماء قال: ثم التفتت إليه وقالت: يا سيدي نعمت الصباح، ودامت لك الأفراح، هل من حاجة فتقضى؟ فاستحيا وطأطأ رأسه وعرق جبينه، فأقبلت عليه تلاطفه في الكلام، ثم قالت: يا سيدي إذا سألتك عن شئ تخبرني؟ قال: نعم، قالت خديجة: إذا أخذت الجمال والمال من عندي ما تريد أن تصنع به؟ قال لها: وما تريدين بذلك يا خديجة؟ قالت:
أزيدك وما أقدر عليه، قال اعلمي أن عمي أبا طالب قد أشار على أن يترك لي بعيرين أسافر بهما، وبعيرين أصلح بهما شأني، والذهب والفضة يخطب لي بهما امرأة من قومي تقنع مني بالقليل، ولا تكلفني ما لا أطيق، فتبسمت خديجة، وقالت: يا سيدي أما