أفاده محمد صلى الله عليه وآله لخديجة من الشام، فذهلت عقول قريش لذلك، فلما اجتمعت أموال خديجة فكوا رحالها، وعرضوا الجميع على خديجة وكانت جالسة خلف الحجاب، والنبي صلى الله عليه وآله جالس وسط الدار، وميسرة يعرض عليها الأمتعة شيئا فشيئا، فنظرت خديجة إلى شئ قد أدهشها، فبعثت إلى أبيها تعرفه بذلك، وترغبه في محمد صلى الله عليه وآله، فلم تك إلا ساعة واحدة وإذا بخويلد قد أقبل ودخل منزل ابنته خديجة، وهو متزين بالثياب، متقلد سيفا، فلما نظرت إليه قامت وأجلسته إلى جنبها، وابتدأته بالترحيب، وجعلت تعرض عليه البضائع، وهي تقول: يا أبت هذا كله ببركة محمد صلى الله عليه وآله، والله يا أبتاه إنه مبارك الطلعة، ميمون الغرة فما ربحت ربحا أغنم (1) من هذه السفرة، ثم التفت إلى ميسرة وقالت: حدثني كيف كان سفركم؟ وما الذي عاينتم من محمد صلى الله عليه وآله؟ قال: يا سيدتي وهل أطيق أن أصف لك بعضا من صفاته وما عاينت منه صلى الله عليه وآله؟ ثم أخبرها بحديث السيل، والبئر، والثعبان، والنخل، وما أخبره الراهب، وما أوصاه إلى خديجة، فقالت: حسبك يا ميسرة: لقد زدتني شوقا إلى محمد صلى الله عليه وآله، اذهب فأنت حر لوجه الله، وزوجتك وأولادك، ولك عندي ما تادرهم، وراحلتان، وخلعت عليه خلعة سنية، وقد امتلأ سرورا وفرحا، ثم إن خديجة التفتت إلى النبي صلى الله عليه وآله وقالت: ادن مني فلا حجاب اليوم بيني وبينك، ثم رفعت عنها الحجاب، وأمرت أن ينصب له كرسي من العاج والآبنوس، وأجلسته عليه، وقالت:
يا سيدي كيف كان سفركم؟ فأخذ يحدثها بما باعه وما شراه، فرأت خديجة ربحا عظيما، وقالت: يا سيدي لقد فرحتني بطلعتك، وأسعدتني برؤيتك، فلا لقيت بؤسا، ولا رأيت نحوسا، ثم جعلت تقول: شعرا:
فلو أنني أمسيت في كل نعمة * ودامت لي الدنيا وملك الأكاسرة فما سويت عندي جناح بعوضة * إذا لم يكن عيني لعينك (2) ناظرة قال: ثم إن خديجة قالت: يا سيدي لك عندي حق البشارة زيادة على ما كان بيننا فهل لك الساعة من حاجة فتقضى؟ قال صلى الله عليه وآله: حتى أستريح وأعود إليك، ثم خرج و