ثكلتك أمك، فما تكلمت العرب بكلمة أثقل علي من هذه الكلمة، وكان ذلك مكرا من الراهب، وكان معه حين نزل من صومعته رق (1) أبيض، فجعل ينظر فيه مرة وإلى النبي صلى الله عليه وآله أخرى، ثم أكب ينظر فيه مليا، فقال: هو هو ومنزل الإنجيل، فلما سمع بذلك خزيمة ظن أن الراهب يريد بالنبي صلى الله عليه وآله مكرا، فضرب بيده إلى قائمة سيفه فانتزعه وجعل يصيح بأعلى صوته: يا آل غالب، فأقبل الناس يهرعون إليه من كل ناحية يقولون: ما الذي راعك؟ فلما نظر الراهب إلى ذلك أقبل يسعى إلى صومعته فدخلها وأغلق عليه بابها، ثم أشرف عليهم فقال: يا قوم ما الذي راعكم مني؟ فوالذي رفع السماوات بغير عمد ما نزل بي ركب هو أحب إلي منكم، وإني لأجد في هذه الصحيفة أن النازل تحت هذه الشجرة - وأومأ بيده إلى الشجرة التي تحتها رسول الله صلى الله عليه وآله - هو رسول رب العالمين، يبعث بالسيف المسلول، وبالذبح الأكبر، وهو خاتم النبيين، فمن أطاعه نجا، ومن عصاه غوى، ثم أقبل على خزيمة فقال: ما تكون من هذا الرجل؟ أرجلا من قومه؟ قال: لا، ولكن خادم له، وحدثه بحديث البعيرين، فقال له الراهب: أيها الرجل إنه النبي الذي يبعث في آخر الزمان، وإني مفوض إليك أمرا، ومستكتمك خبرا، وعاهد إليك عهدا، فقال: ما هو؟ فإني سامع لقولك، وكاتم لسرك، ومطيع لأمرك، فقال: إني أجد في هذه الصحيفة أنه يظهر على البلاد، وينصر على العباد، ولا ترد له راية، ولا تدرك له غاية، وإن له أعداء أكثرهم اليهود أعداء الله، فأحذرهم عليه، فأسر خزيمة ذلك في نفسه، ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد إني لأرى فيك شيئا ما رأيته في أحد من الناس، إني لأحسبك النبي الذي يذكر أنه يخرج من تهامة، وإنك لصريح (2) في ميلادك، والأمين في أنفس قومك، وإني لأرى عليك من الناس محبة، وإني مصدقك في قولك، وناصرك على عدوك، فانطلقوا يؤمون الشام، فقضوا بها حوائجهم، ثم رجعوا،
(١٨)