تسير على رأس رسول الله الغمامة تظله من الشمس، فمروا في طريقهم برجل يقال له:
بحيراء، فلما رأى الغمامة تسير معهم نزل من صومعته، فأخذ لقريش طعاما " وبعث إليهم يسألهم أن يأتوه فأتوه، وخلفوا رسول الله صلى الله عليه وآله في الرحل، فنظر بحيراء إلى الغمامة قائمة، فقال لهم: هل بقي منكم أحد لم يأتني؟ فقالوا: ما بقي منا إلا غلام حدث خلفناه في الرحل، فقال: لا ينبغي أن يتخلف عن طعامي أحد منكم، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أقبل أقبلت الغمامة، فلما نظر إليه بحيراء قال: من هذا الغلام؟ قالوا: ابن هذا، وأشاروا إلى أبي طالب، فقال له بحيراء: هذا ابنك؟ فقال أبو طالب: هذا ابن أخي، قال:
ما فعل أبوه؟ قال: توفي وهو حمل، فقال بحيراء لأبي طالب: رد هذا الغلام في بلاده، فإنه إن علمت منه اليهود ما أعلم منه قتلوه، فإن لهذا شأنا " من الشأن، هذا نبي هذه الأمة، هذا نبي السيف (1).
18 - إكمال الدين: القطان وابن موسى والسناني جميعا "، عن ابن زكريا القطان، عن محمد ابن إسماعيل، عن عبد الله بن محمد، قال: حدثني أبي وحدثني الهيثم بن عمر المزني، عن عمه، عن يعلى النسابة قال: خرج خالد بن أسيد بن أبي العاص وطليق ابن أبي سفيان بن أمية تجارا " إلى الشام سنة خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فيها، فكانا معه، وكانا يحكيان أنهما رأيا في مسيره وركوبه مما يصنع الوحش والطير، فلما توسطنا سوق بصرى إذا نحن بقوم من الرهبان قد جاءوا متغيري الألوان، كأن على وجوهم الزعفران نرى منهم الرعد (2)، فقالوا: يجب (3) أن تأتوا أكبرنا، فإنه هاهنا قريب في الكنيسة العظمى، فقلنا: ما لنا ولكم؟ فقالوا: ليس يضركم من هذا شئ، ولعلنا نكرمكم، وظنوا أن واحد منا محمد، فذهبنا معهم حتى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة البنيان، فإذا " كبيرهم قد توسطهم وحوله تلامذته، وقد نشر كتابا " في يده (4)، فأخذ ينظر