أقول: قال عبد الحميد بن أبي الحديد: قال: محمد بن إسحاق (1) لما انبط (2) عبد المطلب الماء في زمزم حسدته قريش فقالت له: يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل، وإن لنا فيها حقا " فأشركنا معك، قال: ما أنا بفاعل، إن هذا الامر أمر خصصت به دونكم، وأعطيته من بينكم، فقالوا له: فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال:
فاجعلوا بيني وبينكم حكما " أحاكمكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد بن هزيم (3)، قال:
نعم، وكانت بأشراف الشام (4)، فركب عبد المطلب في نفر من بني عبد مناف، وخرج من كل قبيلة من قبائل قريش قوم، والأرض إذ ذاك مفاوز حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام نفد ما كان مع عبد المطلب وبني أبيه من الماء وعطشوا عطشا " شديدا " فاستسقوا قومهم فأبوا أن يسقوهم وقالوا: نحن بمفازة ونخشى على أنفسنا مثل الذي أصابكم، فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وخاف على نفسه وأصحابه الهلاك قال لأصحابه ما ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك، فمرنا بما أحببت، قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منا حفرة لنفسه بما معه من القوة، فكلما مات رجل دفنه أصحابه في حفرته حتى يكون آخركم رجل واحد، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب، قالوا:
نعم ما أشرت، فقام كل رجل منهم فحفر حفيرة لنفسه، وقعدوا ينتظرون الموت، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: والله إن إلقائنا بأيدينا كذا للموت لا نضرب في الأرض فنطلب الماء لعجز، فقوموا فعسى الله أن يرزقنا ماء " ببعض الأرض ارتحلوا، فارتحلوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم صانعون، فتقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها، فلما انبعثت به انفجر من تحت خفها عين من ماء عذب فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه،