بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ١٥١
أن تسلمها إلى محمد صلى الله عليه وآله إذا بلغ مبلغ الرجال فقال له: اعلم أني ما طلبت على ظهر هذه الفرس شيئا " إلا وجدته، وما قصدني عدو وأنا راكب عليها إلا نجاني الله تعالى منه، وأما البغلة فإني كنت أقطع بها الدكداك والجبال لحسن سيرها، ولا أنزل عنها ليلي ونهاري، فأمره أن يتحفظ ويجعلها لي تذكرة، وبلغه عني التحية الكثيرة، فقال عبد المطلب:
السمع والطاعة لأمر الملك، ثم ودعوه وخرجوا نحو الحرم حتى دخلوا مكة، فوقعت الصيحة في البلد بقدومهم، فخرج الناس يستقبلونهم، وخرج أولاد عبد المطلب وقعد النبي على صخرة وقد ألقى كمه على وجهه لئلا تناله الشمس حتى تقارب عبد المطلب، فنظر أولاده إليه وقالوا: يا أبانا خرجت إلى اليمن شيخا " ورجعت شابا "، قال: نعم أيها الفتيان سأخبركم بما ذكرتم، ثم قال لهم: أين سيدي محمد؟ فقالوا: إنه قعد في بعض الطريق ينتظركم، ثم إن عبد المطلب سار نحوه حتى وصل إليه مع أصحابه، فنزل عن مركوبه وعانقه وقبل ما بين عينيه، وقال له: إن هذا الفرس والبغلة والناقة أهداها إليك سيف بن ذي يزن، ويقرء عليك التحية الطيبة، ثم أمر أن يحمل رسول الله صلى الله عليه وآله على الفرس، فلما استوى النبي صلى الله عليه وآله على ظهر الفرس انتشط وصهل صهيلا " شديدا " فرحا " برسول الله صلى الله عليه وآله، ونسب هذا الفرس إنه عقاب بن ينزوب بن قابل بن بطال بن زاد الراكب بن الكفاح بن الجنح بن موج بن ميمون بن ريح، أمر الله تعالى قال: كن، فكان بأمره.
قال الواقدي: وأخذ أبو طالب بلجام فرسه، وحف برسول صلى الله عليه وآله أعمامه، فقال صلى الله عليه وآله: خلوا عني فإن ربي يحفظني ويكلاني (1)، فخلوا عنه، فدخل النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة على حالته، فشاع خبره في قريش وبني هاشم، فتعجب من أمره الخلق، وبقي النبي صلى الله عليه وآله فرحا " مسرورا " عند عبد المطلب.
قال الواقدي: ودب النبي صلى الله عليه وآله ودرج وأتى عليه ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام فعندها اعتل عبد المطلب علة شديدة فأمر أن يحمل سريره إلى عند البيت الحرام، وينصب هناك عند أستار الكعبة، وكان لعبد المطلب سرير من خيزران أسود ورثه من جده عبد مناف، وكان السرير له شبكات من عاج وآبنوس وصندل وعود أحسن ما يكون إحكاما "

(1) كلا الله فلانا: حرسه وحفظه.
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»
الفهرست