بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ١٤٧
إلى باب بستانه، وكان لقصر غمدان في وسط البستان أبواب، وكان لهذا البستان باب يفتح إلى البرية، وقد وكل بذلك البستان بوابا " واحدا "، فقال عبد المطلب لأصحابه:
لعلنا يتهيئ لنا الدخول بحيلة، ولا يتهيئ إلا هي، فقال القوم: صدقت، قال الواقدي:
ثم إن عبد المطلب نزل وأخذ نحو الباب، فنظر إلى البواب وسلم عليه، فقال له: يا بواب دعني أن أدخل هذا البستان، فقال البواب: واعجبا " منك! ما أقل فهمك، وأضعف رأيك؟ أمصروع أنت؟ فقال له عبد المطلب: ما رأيت من جنوني؟ فقال له البواب: ما علمت أن سيف بن ذي يزن في القصر مع جواريه وخدمه قاعدا " (1) فإن بصر بك في بستانه أمر بقتلك، وإن سفك دمك عنده أهون من شربة ماء، فقال له عبد المطلب: دعني أدخل ويكون من الملك إلي ما يكون، فقال له البواب: يا مغلوب العقل إن الملك في القصر وعيناه للباب والبواب، إنه قدر ما يرمق (2) أن يأمر بقتلك، فقال عقيل بن أبي وقاص:
يا أبا الحارث أما علمت أن المصابيح لا تضئ إلا بالدهن؟ فقال عبد المطلب: صدقت، قال الواقدي: ثم إن عبد المطلب دعا بكيس من أديم فيه ألف دينار، وقال: بعد أن صب الكيس بين يدي البواب يا هذا إن تركتني أدخل البستان جعلت هذا بري إليك، فاقبل صلتي، وخل سبيلي، فلما نظر البواب إلى الدرهم (3) خر مبهوتا " وقال له البواب:
يا شيخ إن دخلت ونظر إليك وسألك عن كيفية دخولك ما أنت قائل؟ قال عبد المطلب:
أقول له: كان البواب نائما " وشرط عليه عبد المطلب أن لا يكذبه إن دعاه الملك للمسألة فيقول: غفوت (4) وليس لي بدخوله علم، قال: نعم، فقال عبد المطلب: إن كذبتني في هذا صدقت الملك عن الصلة التي وصلتك بها، فقال له البواب: ادخل يا شيخ، فدخل عبد المطلب البستان، وكان قصر غمدان في وسط الميدان والبستان كأنه جنة من الجنان، قد حف بالورد والياسمين وأنواع الرياحين والفواكه، وفيه أنهار جارية وسطه، وإذا سيف بن ذي يزن قد اتكأ على عمود المنظرة من قصره، فلما نظر إلى عبد المطلب غضب

(١) في الفضائل: قاعد وهو الصحيح.
(٢) رمقه: أطال النظر إليه. لحظه لحظا خفيفا. والمراد هنا المعنى الثاني.
(٣) في الفضائل: إلى الدراهم.
(4) غفى: نعس. نام نومة خفيفة.
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»
الفهرست