قال لأولاده: أكرموا وجللوا محمدا " صلى الله عليه وآله، وكونوا عند إعزازه وإكرامه، فسترون منه أمرا " عظيما " عليا "، وسترون آخر أمره ما أنا أصفه لكم عند بلوغه، فقالوا بأجمعهم: السمع والطاعة يا أبانا نفديه بأنفسنا وأموالنا ونحن له فدية، قال أبو طالب: قد أوصيتنا بمن هو أفضل مني ومن إخواني، قال: نعم، - ولم يكن في أعمام النبي صلى الله عليه وآله أرفق من أبي طالب قديما " وحديثا " في أمر محمد صلى الله عليه وآله -، ثم قال: إن نفسي ومالي دونه فداء (1) أنازع معاديه:
وأنصر مواليه، فلا يهمنك أمره.
قال الواقدي: ثم إن عبد المطلب غمض عينيه وفتحهما ونظر قريشا " وقال: يا قوم أليس حقي عليكم واجبا "؟ فقالوا بأجمعهم: نعم حقك على الكبير والصغير واجب، فنعم القائد ونعم السائق فينا كنت، فجزاك الله تعالى عنا خيرا "، ويهون عليك سكرات الموت، وغفر لك ما سلف من ذنوبك، فقال عبد المطلب: أوصيكم بولدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله فأحلوه محل الكرامة فيكم وبروه ولا تجفوه، ولا تستقبلوه بما يكره، فقالوا بأجمعهم: قد سمعنا منك وأطعناك فيه، ثم قال لهم عبد المطلب: إن الرئيس عليكم من بعدي الوليد بن المغيرة أبو عبد الشمس بن أبي العاص بن نقية (2) بن عبد شمس بن عبد مناف، فضجت الخلق بأجمعهم وقالوا: قبلنا أمرك، فنعم ما رأيته رأيا "، ونعم ما خلفته فينا بعدك، وصارت قريش وبنو هاشم تحت ركاب الوليد بن المغيرة، فعند ذلك تغير وجه عبد المطلب واخضرت أظافير يديه ورجليه، ووقع على وجنتيه غبار الموت، يكثر التقلب من جنب إلى جنب، ومرة يقبض رجلا " ويبسط أخرى، والخلائق من قريش وبني هاشم حاضرون، وقد صارت مكة في ضجة واحدة، وأراد النبي صلى الله عليه وآله أن يقوم من عنده ففتح عبد المطلب عينيه وقال: يا محمد تريد أن تقوم؟ قال: نعم، فقال عبد المطلب: يا ولدي فإني وحق رب السماء لفي راحة ما دمت عندي، قال: فقعد النبي صلى الله عليه وآله فما كان إلا عن قليل حتى قضى نحبه (3).