قال: لا، أنت رجل صالح، قال: أنا أرميا نبي بني إسرائيل، أخبرني الله أنه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل رجالهم، وتفعل بهم كذا وكذا (1) قال: فتاه في نفسه (2) في ذلك الوقت.
ثم قال أرميا: اكتب لي كتابا بأمان منك، فكتب له كتابا، وكان يخرج في الجبل ويحتطب ويدخله المدينة ويبيعه، فدعا إلى حرب بني إسرائيل (3) وكان مسكنهم في بيت المقدس، وأقبل بخت نصر فيمن أجابه نحو بيت المقدس، وقد اجتمع إليه بشر كثير، فلما بلغ أرميا إقباله نحو بيت المقدس استقبله على حمار له ومعه الأمان الذي كتبه له بخت نصر، فلم يصل إليه أرميا من كثرة جنوده وأصحابه، فصير الأمان على قصبة أو خشبة ورفعها، فقال: من أنت؟ فقال: أنا أرميا النبي الذي بشرتك بأنك سيسلطك الله على بني إسرائيل (4) وهذا أمانك لي، قال: أما أنت فقد آمنتك، وأما أهل بيتك فإني أرمي من ههنا إلى بيت المقدس فإن وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا أمان لهم عندي، وإن لم تصل فهم آمنون، وانتزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس فحملت الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس، فقال: لا أمان لهم عندي، فلما وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة وإذا دم يغلي وسطه، كلما ألقي عليه التراب خرج وهو يغلي، فقال:
ما هذا؟ فقالوا: هذا نبي كان لله فقتله ملوك بني إسرائيل ودمه يغلي، وكلما ألقينا عليه التراب خرج يغلي، فقال بخت نصر: لأقتلن بني إسرائيل أبدا حتى يسكن هذا الدم، وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا عليه السلام، وكان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل، وكان يمر بيحيى بن زكريا عليه السلام فقال له يحيى: اتق الله أيها الملك لا يحل لك هذا، فقالت له مرأة (5) من اللواتي كان يزني بهن حين سكر: أيها الملك اقتل يحيى، فأمر أن يؤتى برأسه فأتوا برأس يحيى عليه السلام في الطست، وكان الرأس يكلمه