ويقول له: يا هذا اتق الله لا يحل لك هذا، ثم غلى الدم في الطست حتى فاض إلى الأرض فخرج يغلي ولا يسكن، وكان بين قتل يحيى وخروج بخت نصر مائة سنة، ولم يزل بخت نصر يقتلهم، وكان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال والنساء والصبيان وكل حيوان والدم يغلي حتى أفنى من ثم، (1) فقال: بقي أحد في هذه البلاد؟ قالوا: عجوز في موضع كذا وكذا، فبعث إليها فضرب عنقها على الدم فسكن، وكانت آخر من بقي.
ثم أتى بابل فبنى بها مدينة وأقام وحفر بئرا فألقى فيها دانيال وألقى معه اللبوة، فجعلت اللبوة تأكل طين البئر ويشرب دانيال لبنها، فلبث بذلك زمانا، فأوحى الله إلى النبي الذي كان ببيت المقدس أن اذهب بهذا الطعام والشراب إلى دانيال واقرأه مني السلام، قال: وأين دانيال يا رب؟ (2) فقال: في بئر بابل (3) في موضع كذا وكذا. قال:
فأتاه فأطلع في البئر فقال: يا دانيال، قال: لبيك صوت غريب، قال: إن ربك يقرؤك السلام وقد بعث إليك بالطعام والشراب، فدلاه إليه، (4) قال: فقال دانيال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه، الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، الحمد لله الذي يجزي بالاحسان إحسانا، الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة، الحمد لله الذي يكشف ضرنا عند كربتنا والحمد لله الذي هو ثقتنا حين ينقطع الحيل منا، (5) والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننا بأعمالنا.
قال: فأري بخت نصر في نومه كأن رأسه من حديد، ورجليه من نحاس، وصدره من ذهب، قال: فدعا المنجمين فقال لهم: ما رأيت؟ فقالوا: ما ندري ولكن قص علينا ما