بالاستعمال في الاعمال الشاقة " والسلام على من اتبع الهدى " لم يرد به التحية، بل معناه: من اتبع الهدى سلم من عذاب الله " فمن ربكما " أي من أي جنس من الأجناس هو؟ فبين موسى عليه السلام أنه تعالى ليس له جنس، وإنما يعرف بأفعاله " أعطى كل شئ خلقه " أي صورته التي قدرها له، ثم هداه إلى مطعمه ومشربه ومنكحه وغير ذلك، أو مثل خلقه. أي زوجه من جنسه ثم هداه لنكاحه، أو أعطى خلقه كل شئ من النعم في الدنيا مما يأكلون ويشربون وينتفعون به، ثم هداهم إلى طرق معايشهم وإلى أمور دينهم ليتوصلوا بها إلى نعم الآخرة " فما بال القرون الأولى " أي فما حال الأمم الماضية، فإنها لم تقر بالله وما تدعو إليه بل عبدت الأوثان؟ وقيل: لما دعاه موسى إلى البعث قال: فما بالهم لم يبعثوا؟ قال موسى عليه السلام: " علمها عند ربي " أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازيهم بها " في كتاب " يعني اللوح، أو ما يكتبه الملائكة " لا يضل ربي " أي لا يذهب عليه شئ " ولا ينسى " ما كان من أمرهم بل يجازيهم بأعمالهم " مهدا " أي فرشا " وسلك لكم فيها " أي أدخل لأجلكم في الأرض طرقا تسلكونها " أزواجا " أي أصنافا " ولقد أريناه " أي فرعون " آياتنا كلها " أي الآيات التسع " فكذب " بجميعها " وأبى " أن يؤمن " مكانا سوى " أي تستوي مسافته على الفريقين.
" قال " موسى: " موعدكم يوم الزينة " وكان يوم عيد يتزينون فيه ويزينون فيه الأسواق " وأن يحشر الناس ضحى " أي ضحى ذلك اليوم " فتولى فرعون " أي انصرف على ذلك الوعد " فجمع كيده " وذلك جمعه السحرة " ثم أتى " أي حضر الموعد " قال لهم " أي للسحرة موسى فوعظهم فقال:
" ويلكم " هي كلمة وعيد وتهديد، أي ألزمكم الله الويل والعذاب " لا تفتروا على الله كذبا " بأن تنسبوا معجزتي إلى السحر، وسحركم إلى أنه حق، وفرعون إلى أنه معبود " فيسحتكم " أي يستأصلكم " فتنازعوا أمرهم بينهم " أي تشاور القوم وتفاوضوا في حديث موسى وفرعون وجعل كل منهم ينازع الكلام صاحبه، وقيل: تشاورت السحرة فيما هيؤوه من الحبال والعصي وفيمن يبتدئ بالالقاء " وأسروا النجوى " أي أخفوا كلامهم سرا من فرعون، فقالوا: إن غلبنا موسى اتبعناه، وقيل: إن موسى لما قال لهم: " ويلكم لا تفتروا على الله كذبا " قال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر، وأسر بعضهم إلى بعض يتناجون،