هناك إذ أمرتها أمها أن تتبع التابوت، فقالت: إني آتي بامرأة ترضعه، وذلك قوله تعالى: " هل أدلكم على من يكفله " فقالوا: نعم، فجاءت بالأم، فقبل ثديها فذلك قوله تعالى: " فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها " برؤيتك " ولا تحزن " من خوف قتلك أو غرقك، وذلك أنها حملته إلى بيتها آمنة مطمئنة، قد جعل لها فرعون أجرة على الرضاع " وقتلت نفسا " أي القبطي الكافر الذي استغاثه عليه الإسرائيلي " فنجيناك من الغم " أي من غم القتل وكربه، لأنه خاف أن يقتصوا منه بالقبطي " وفتناك فتونا " أي اختبرناك اختبارا حتى خلصت للاصطفاء بالرسالة، أو خلصناك من محنة بعد محنة " فلبثت سنين في أهل مدين " أي حين كنت راعيا لشعيب " على قدر " أي في الوقت الذي قدر لارسالك نبيا " واصطنعتك لنفسي " أي لوحيي ورسالتي، أي اخترتك واتخذتك صنيعتي، وأخلصتك لتنصرف على إرادتي ومحبتي " بآياتي " أي بحججي ودلالاتي، وقيل: بالآيات التسع " ولا تنيا في ذكري " أي ولا تضعفا ولا تفترا في رسالتي " فقولا له قولا لينا " أي ارفقا به في الدعاء والقول ولا تغلظا له، أو كنياه، وكنيته أبو الوليد، وقيل: أبو العباس، وقيل أبو مرة. وقيل: القول اللين هو " هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى " وقيل: هو أن موسى أتاه فقال له: تسلم وتؤمن برب العالمين على أن لك شبابك ولا تهرم، وتكون ملكا لا ينزع الملك منك حتى تموت، ولا تنزع منك لذة الطعام والشراب والجماع حتى تموت، فإذا مت دخلت الجنة، فأعجبه ذلك، وكان لا يقطع أمرا دون هامان، وكان غائبا، فلما قدم هامان أخبره بالذي دعاه إليه وأنه يريد أن يقبل منه، فقال هامان: قد كنت أرى أن لك عقلا ورأيا، بينا أنت رب تريد أن تكون مربوبا؟!
وبينا أنت تعبد تريد أن تعبد؟! فقلبه عن رأيه " لعله يتذكر أو يخشى " أي ادعواه على الرجاء والطمع لا على اليأس من فلاحه " أن يفرط علينا " أن يتقدم فينا بعذاب ويعجل علينا ويبادر إلى قتلنا قبل أن يتأمل حجتنا " أو أن يطغى " أي يتجاوز الحد في الإساءة بنا " إنني معكما " بالنصرة والحفظ " أسمع " ما يسأله منكما فألهمكما جوابه " وأرى " ما يقصدكما به فأدفعه عنكما.
" فأرسل معنا بني إسرائيل " أي أطلقهم وأعتقهم من الاستعباد " ولا تعذبهم "