وقيل: كانوا سبعين " وإنكم لمن المقربين " أي وإنكم مع حصول الاجر لكم لمن المقربين، إلى المنازل الجليلة.
" قالوا يا موسى " أي قالت السحرة لموسى: " إما أن تلقي " ما معك من العصا أولا " وإما أن نكون نحن الملقين " لما معنا من العصي والحبال أولا " قال ألقوا " هذا أمر تهديد وتقريع " سحروا أعين الناس " أي احتالوا في تحريك العصي والحبال بما جعلوا فيها من الزيبق حتى تحركت بحرارة الشمس وغير ذلك من الحيل وأنواع التمويه والتلبيس، وخيل إلى الناس أنها تتحرك على ما تتحرك الحية " واسترهبوهم " أي استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس " فإذا هي تلقف ما يأفكون " أي فألقاها فصارت ثعبانا فإذا هي تبتلع ما يكذبون فيه أنها حيات " فوقع الحق " أي ظهر لأنهم لما رأوا تلك الآيات الباهرة علموا أنه أمر سماوي لا يقدر عليه غير الله تعالى، فمنها قلب العصا حية، ومنها أكلها حبالهم وعصيهم مع كثرتها، ومنها فناء حبالهم وعصيهم في بطنه إما بالتفرق وإما بالفناء عند من جوزه، ومنها عودها عصا كما كانت من غير زيادة ولا نقصان، وكل من هذه الأمور يعلم كل عاقل أنه لا يدخل تحت مقدور البشر، فاعترفوا بالتوحيد والنبوة وصار إسلامهم حجة على فرعون وقومه " فغلبوا هنالك " أي قهر فرعون وقومه عند ذلك المجمع، وبهت فرعون وخلى سبيل موسى ومن تبعه " وانقلبوا صاغرين " أي انصرفوا أذلاء مقهورين " والقي السحرة ساجدين " ألهمهم الله ذلك.
وقيل: إن موسى وهارون سجدا لله شكرا له على ظهور الحق فاقتدوا بهما فسجدوا معهما، وإنما قال: " القي " على ما لم يسم فاعله للإشارة إلى أنه ألقاهم ما رأوا من عظيم الآيات حيث لم يتمالكوا أنفسهم عند ذلك أن وقعوا ساجدين " رب موسى وهارون " خصوهما لأنهما دعوا إلى الايمان ولتفضيلهما، أو لئلا يتوهم متوهم أنهم سجدوا لفرعون: لأنه كان يدعي أنه رب العالمين " إن هذا لمكر " أراد به التلبيس على الناس وإيهامهم أن إيمان السحرة لم يكن عن علم، ولكن لتواطؤ منهم ليذهبوا بأموالكم و ملككم " فسوف تعلمون " عاقبة أمركم " لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف " أي من كل شق طرفا، قال الحسن: هو أن يقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، وقال غيره: