دعاهم إلى الله تعالى فلم يزدهم إلا طغيانا، فآلى الله (1) على نفسه أن يهلك الملك والزانية إن لم يتوبوا إليه، وأخبرهما بذلك، فاشتد غضبهم عليه وهموا بتعذيبه وقتله، فهرب، منهم فلحق بأصعب جبل فبقي فيه وحده سبع سنين، يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر والله يخفي مكانه، فأمرض الله ابنا للملك مرضا شديدا حتى يئس منه، وكان أعز ولده إليه، فاستشفعوا إلى عبدة الصنم ليستشفعوا له فلم ينفع، (2) فبعثوا الناس إلى حد الجبل الذي فيه إلياس عليه السلام فكانوا يقولون: اهبط إلينا واشفع لنا، فنزل إلياس من الجبل و قال: إن الله أرسلني إليكم وإلى من ورائكم، فاسمعوا رسالة ربكم، يقول الله: ارجعوا إلى الملك فقولوا له: إني أنا الله لا إله إلا أنا إله بني إسرائيل الذي خلقهم، وأنا الذي أرزقهم وأحييهم وأميتهم وأضرهم وأنفعهم، وتطلب الشفاء لابنك من غيري؟ فلما صاروا إلى الملك وقصوا عليه القصة امتلأ غيظا فقال:
ما الذي منعكم أن تبطشوا به حين لقيتموه وتوثقوه وتأتوني به فإنه عدوي، قالوا:
لما صار معنا قذف في قلوبنا الرعب عنه، فندب (3) خمسين من قومه من ذوي البطش و أوصاهم بالاحتيال له وإطماعه في أنهم آمنوا به ليغتر بهم فيمكنهم من نفسه، فانطلقوا حتى ارتقوا ذلك الجبل الذي فيه إلياس عليه السلام ثم تفرقوا فيه وهم ينادونه بأعلى صوتهم ويقولون: يا نبي الله ابرز لنا فإنا آمنا بك، فلما سمع إلياس مقالتهم طمع في إيمانهم فكان في مغازة فقال: اللهم إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لي في النزول إليهم، وإن كانوا كاذبين فاكفنيهم وارمهم بنار تحرقهم، فما استتم قوله حتى حصبوا بالنار من فوقهم فاحترقوا، فبلغ الملك خبرهم فاشتد غيظه فانتدب كاتب امرأته المؤمن وبعث معه جماعة إلى الجبل وقال له: قد آن أن أتوب، فانطلق لنا إليه حتى يرجع إلينا يأمرنا