وينهانا بما يرضى ربنا، وأمر قومه فاعتزلوا الأصنام، (1) فانطلق كاتبها والفئة الذين أنفذهم معه حتى علا الجبل الذي فيه إلياس، ثم ناداه فعرف إلياس صوته فأوحى الله تعالى إليه: أن ابرز إلى أخيك الصالح وصافحه وحيه. فقال المؤمن: بعثني إليك هذا الطاغي وقومه، وقص عليه ما قالوا، ثم قال: وإني لخائف إن رجعت إليه ولست معي أن يقتلني، فأوحى الله تعالى عز وجل إلى إلياس: (2) إن كل شئ جاءك منهم خداع ليظفروا بك، وإني أشغله عن هذا المؤمن بأن أميت ابنه، (3) فلما قدموا عليه شد الله الوجع على ابنه وأخذ الموت بكظمه ورجع إلياس سالما إلى مكانه، فلما ذهب الجزع عن الملك بعد مدة سأل الكاتب على الذي جاء به، فقال: ليس لي به علم. (4) ثم إن إلياس عليه السلام نزل واستخفى عند أم يونس بن متى ستة أشهر ويونس مولود، ثم عاد إلى مكانه فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات ابنها حين فطمته فعظمت مصيبتها فخرجت في طلب إلياس ورقت الجبال حتى وجدت إلياس فقالت: إني فجعت بموت ابني وألهمني الله تعالى عز وعلا الاستشفاع بك إليه ليحيي لي ابني فإني تركته بحاله ولم أدفنه وأخفيت مكانه، فقال لها: ومتى مات ابنك؟ قالت: اليوم سبعة أيام، فانطلق إلياس وسار سبعة أيام أخرى حتى انتهى إلى منزلها، فرفع يديه بالدعاء واجتهد حتى أحيا الله تعالى جلت عظمته بقدرته يونس عليه السلام فلما عاش انصرف إلياس، ولما صار (5) ابن أربعين سنة أرسله الله إلى قومه كما قال: " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ".
(٣٩٥)