بين الرجلين خشية أن يقتتلا، أي كراهية لذلك، وعلى هذا التأويل والوجه الذي قلنا إنه بمعنى العلم لا يمتنع أن يضاف الخشية إلى الله تعالى. (1) فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: " أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر " والسفينة البحرية تساوي المال الجزيل، وكيف (2) يسمى مالكها بأنه مسكين والمسكين عند قوم شر من الفقير؟ وكيف قال: " وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا " ومن كان وراءهم قد سلموا من شره ونجوا من مكروهه، وإنما الحذر مما يستقبل؟
قلنا: أما قوله: " لمساكين " ففيه غير وجه (3) منها أنه لم يعن بوصفهم بالمسكنة الفقر، وإنما أراد عدم الناصر وانقطاع الحيلة كما يقال لمن له عدو يظلمه ويتهضمه (4): إنه مسكين ومستضعف وإن كان كثير المال واسع الحال، ويجري هذا المجرى ما روي عنه عليه السلام من قوله: مسكين مسكين رجل لا زوجة له. وإنما أراد وصفه بالعجز وقلة الحيلة وإن كان ذا مال واسع.
ووجه آخر وهو أن السفينة للبحري الذي لا يتعيش إلا بها (5) ولا يقدر على التكسب إلا من جهتها، كالدار التي يسكنها الفقير هو وعياله ولا يجد سواها فهو مضطر إليها ومنقطع الحيلة إلا منها، وإذا انضاف إلى ذلك أن يشاركه جماعة في السفينة حتى يكون له فيها (6) الجزء اليسير كان أسوء حالا وأظهر فقرا.
ووجه آخر أن لفظة المساكين قد قرئت بتشديد السين، (7) وإذا صحت هذه الرواية فالمراد بها البخلاء، وقد سقط السؤال.
فأما قوله تعالى: " وكان وراءهم ملك " فهذه اللفظة يعبر بها عن الامام والخلف معا