أحدها أنه أراد النسيان المعروف، وليس ذلك بعجب مع قصر المدة، فإن الانسان قد ينسى ما قرب زمانه لما يعرض له من شغل القلب وغير ذلك.
والوجه الثاني أنه أراد: لا تؤاخذني بما تركت، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي (1) " أي ترك، وقد روي هذا الوجه عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: قال موسى: " لا تؤاخذني بما نسيت " يقول: بما تركت من عهدك.
والوجه الثالث: أنه أراد: لا تؤاخذني بما فعلته مما يشبه النسيان، فسماه نسيانا للمشابهة كما قال المؤذن لاخوة يوسف عليه السلام: " إنكم لسارقون (2) " أي إنكم تشبهون السراق، وكما يتأول الخبر الذي يرويه أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال: كذب إبراهيم ثلاث كذبات: في قوله: سارة أختي، وفي قوله: بل فعله كبيرهم هذا، وفي قوله:
إني سقيم، والمراد بذلك - إن كان هذا الخبر صحيحا (3) - أنه فعل ما ظاهره الكذب، وإذا حملنا هذه اللفظة على غير النسيان الحقيقي فلا سؤال فيها، وإذا حملناها على النسيان في الحقيقة كان الوجه فيها أن النبي إنما لا يجوز عليه النسيان فيما يؤديه (4) أو في شرعه، أو في أمر يقتضي التنفير عنه، فأما فيما هو خارج عما ذكرناه فلا مانع من النسيان، ألا ترى أنه إذا نسي أو سها في مأكله أو مشربه على وجه لا يستمر ولا يتصل فينسب إلى أنه مغفل أن ذلك غير ممتنع وأما وصف النفس بأنها زكية فقد قلنا: إن ذلك خرج مخرج الاستفهام لا على سبيل الاخبار، وإذا كان استفهاما فلا سؤال على على هذا الموضع.