وقد اختلف المفسرون في هذه النفس فقال أكثرهم: إنه كان صبيا لم يبلغ الحلم، وإن الخضر وموسى عليهما السلام مرا بغلمان يلعبون فأخذ الخضر منهم غلاما فأضجعه وذبحه بالسكين، ومن ذهب إلى هذا الوجه يجب أن يحمل قوله: " زكية " على أنه من الزكاء الذي هو الزيادة والنماء، لا من الطهارة في الدين (1) من قولهم: زكت الأرض يزكو (2) إذا زاد ريعها، وذهب قوم إلى أنه كان رجل بالغا كافرا، ولم يكن يعلم موسى عليه السلام باستحقاقه للقتل (3) فاستفهم عن حاله، ومن أجاب بهذا الجواب إذا سئل عن قوله تعالى: " حتى إذا لقيا غلاما " يقول: لا يمتنع تسمية الرجل بأنه غلام على مذهب العرب وإن كان بالغا.
وأما قوله: " فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا " فالظاهر يشهد أن الخشية هي من العالم لا منه تعالى، والخشية ههنا قيل: إنها العلم كما قال الله تعالى: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا (4) " وقوله: " إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله (5) " وقوله عز وجل: " وإن خفتم عيلة (6) " وكل ذلك بمعنى العلم، وعلى هذا الوجه كان يقول: (7) إنني علمت بإعلام الله تعالى لي أن هذا الغلام متي بقي كفر أبواه، ومتى قتل بقيا على إيمانهما، فصارت تبقيته مفسدة ووجب اخترامه، (8) ولا فرق بين أن يميته الله تعالى وبين أن يأمر بقتله، وقد قيل: إن الخشية ههنا بمعنى الخوف الذي لا يكون معه يقين ولا قطع، وهذا يطابق جواب من قال: إن الغلام كان كافرا مستحقا للقتل بكفره، وانضاف إلى استحقاقه ذلك بالكفر خشية إدخال أبويه في الكفر وتزيينه لهما، وقال قوم: إن الخشية ههنا هي الكراهية، يقول القائل: فرقت