أو يشهدوا على القاتل، فقالوا: يا نبي الله أما وقت أيماننا أموالنا ولا أموالنا أيماننا؟ قال:
لا، هكذا حكم الله.
وكان السبب أن امرأة حسناء ذات جمال وخلق كامل وفضل بارع ونسب شريف وستر ثخين (1) كثر خطابها، وكان لها بنو أعمام ثلاثة فرضيت بأفضلهم علما وأثخنهم سترا، وأرادت التزويج به، فاشتد حسد ابني عمه الآخرين له وغبطاه عليها لايثارها إياه، فعمدا إلى ابن عمها المرضي فأخذاه إلى دعوتهما ثم قتلاه وحملاه إلى محلة تشتمل على أكثر قبيلة في بني إسرائيل فألقياه بين أظهرهم ليلا، فلما أصبحوا وجدوا القتيل هناك فعرف حاله، فجاء ابنا عمه القاتلان له فمزقا على أنفسهما، وحثيا التراب على رؤوسهما، واستعديا عليهم، فأحضرهم موسى عليه السلام وسألهم فأنكروا أن يكونوا قتلوه أو علموا قاتله، قال: فحكم الله عز وجل على من فعل هذه الحادثة ما عرفتموه (2) فقالوا: يا موسى أي نفع في أيماننا لنا إذا لم تدرء عنا الغرامة الثقيلة؟ أم أي نفع في غرامتنا لنا إذا لم تدرء عنا الايمان؟ فقال موسى عليه السلام: كل النفع في طاعة الله تعالى والايتمار لامره (3) والانتهاء عما نهى عنه، فقالوا: يا نبي الله غرم ثقيل ولا جناية لنا، وأيمان غليظة ولا حق في رقابنا، لو أن الله عز وجل عرفنا قاتله بعينه وكفانا مؤونته فادع لنا ربك أن يبين لنا هذا القاتل لينزل به ما يستحقه من العقاب (4) وينكشف أمره لذوي الألباب.
فقال موسى عليه السلام: إن الله عز وجل قد بين ما أحكم به في هذا، فليس لي أن أقترح عليه غير ما حكم ولا أعترض عليه فيما أمر، ألا ترون أنه لما حرم العمل في السبت وحرم لحم الجمل لم يكن لنا أن نقترح عليه (5) أن يغير ما حكم به علينا من ذلك، بل علينا أن نسلم له حكمه، ونلتزم ما ألزمناه، وهم بأن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثتهم، فأوحى