قالوا: فأخذ موسى شعر رأس هارون عليه السلام بيمينه ولحيته بشماله، وكان قد اعتزلهم في الاثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل، وقال يا هارون: " ما منعك " الآية.
فلما علم بنو إسرائيل خطأهم ندموا واستغفروا فأمرهم موسى أن يقتل البرئ المجرم فتبرأ أكثرهم، فأمر الله موسى أن يبرد العجل بالمبرد ويحرقه ثم يذريه في النيل فمن شرب ماءه ممن عبد العجل اصفر وجهه واسودت شفتاه، وقيل: نبت على شاربه الذهب، فكان ذلك علما لجرمه، فأخذ موسى عليه السلام العجل فذبحه، ثم برده بالمبارد، ثم حرقه وجمع رماده وأمر السامري حتى بال عليه استخفافا به ثم ذرأه في الماء، ثم أمرهم بالشرب من ذلك الماء فاسودت شفاه الذين عبدوه واصفرت وجرههم فأقروا وقالوا: لو أمرنا الله سبحانه أن نقتل أنفسنا ليقبل توبتنا لقتلناها، فقيل لهم: " فاقتلوا أنفسكم " فجلسوا في الأفنية محتبين (1) وأصلت القوم (2) عليهم خناجر، فكان الرجل يرى ابنه و أباه وأخاه وقريبه وصديقه وجاره فلم يمكنهم المضي لامر الله سبحانه، (3) فأرسل الله عليهم ضبابة (4) وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا، وقيل لهم: من حل حبوته (5) أو مد طرفه إلى قاتله أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردود توبته، فكانوا يقتلونهم إلى المساء فلما كثر فيهم القتل وبلغ عدة القتلى سبعين ألفا دعا موسى وهارون وبكيا وجزعا وتضرعا وقالا: يا رب هلكت بنو إسرائيل، البقية البقية، فكشف الله تعالى السحابة وأمرهم أن يرفعوا السلاح ويكفوا عن القتل، فلما انكشفت السحابة عن القتلى اشتد ذلك على موسى عليه السلام فأوحى الله تعالى إليه: أما يرضيك أن يدخل (6) القاتل والمقتول الجنة؟ فكان من قتل منهم شهيدا ومن بقي مكفرا عنه ذنبه.
ثم إن موسى عليه السلام هم بقتل السامري فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه: لا تقتله