من فوت نفسه المنافع المستحقة، وهذا هو معنى قوله تعالى: " فتكونا من الظالمين " انتهى.
والظلم في الأصل: وضع الشئ غير موضعه، قال الجوهري: ويقال: من أشبه أباه فما ظلم، وقيل: أصل الظلم انتقاص الحق، قال الله تعالى: " كلتا الجنتين آتت اكلها ولم تظلم منه شيئا " " أي لم تنقص، وقال الجزري: في حديث ابن زمل: (لزموا الطريق فلم يظلموه) أي لم يعدلوا عنه، يقال: أخذ في طريق فما ظلم يمينا " وشمالا "، فظهر أن الوصف بالظلم لا يستلزم ما ادعاه المستدل، إذ لا شك في أن مخالفة أمره سبحانه وضع للشئ في غير موضعه، وموجب لنقص الثواب، وعدول عن الطريق المؤدي إلى المراد، وأما ما استدل به على أن الظالم ملعون فباطل، إذ وقع هذا في موضعين من القرآن: أحدهما في الأعراف " أن لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون (1) " وثانيهما في هود، وفيها كما ذكر إلا أن آخر الآية فيها هكذا:
" وهم بالآخرة هم كافرون (2) " وعلى أي حال لا يدل على لعن مطلق الظالمين، بل لا يدل على لعن صاحب الكبيرة أيضا " من المسلمين، على أن اللعن أيضا " لا يدل على كون الفعل كبيرة لورود الأخبار بلعن صاحب الصغيرة، بل من ارتكب النهي التنزيهي أيضا، إذ اللعن الطرد والإبعاد عن الرحمة، والبعد عنها يحصل بترك المندوب وفعل المكروه أيضا "، لكن لما غلب استعماله في المشركين والكفار لا يجوز استعماله في صلحاء المؤمنين قطعا "، وفي فساقهم إشكال، والأولى الترك.
الوجه الخامس: أنه ارتكب المنهي عنه في قوله تعالى: " ولا تقربا هذه الشجرة " وقوله تعالى: " ألم أنهكما " وارتكاب المنهي عنه كبيرة.
والجواب: أن النهي كما يكون للتحريم يكون للتنزيه، ولو ثبت أنه حقيقة في التحريم حملناه على المجاز لدلائل العصمة، على أن شيوع استعماله في التنزيه يمنع من حمله على المعنى الحقيقي بلا قرينة، وأما ما ادعاه من كون ارتكاب المنهي عنه كبيرة مطلقا " فلا يخفى فساده.