الوجه الثالث: أنه عليه السلام تاب والتائب مذنب، أما أنه تائب فلقوله تعالى:
" فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " وأما أن التائب مذنب فلان التائب هو النادم على فعل الذنب، والنادم على فعل الذنب مخبر عن كونه فاعلا للذنب، فإن كذب في ذلك الإخبار فهو مذنب بالكذب، وإن صدق فيه فهو المطلوب. وأجاب عنه السيد رضي الله عنه: بأن التوبة عندنا وعلى أصولها غير موجبة لإسقاط العقاب، وإنما يسقط الله تعالى العقاب عندنا تفضلا "، والذي توجبه التوبة هو استحقاق الثوب، فقبولها على هذا الوجه هو ضمان الثواب عليها، فمعنى قوله: " تاب عليه " أنه ضمن ثوابها، ولابد لمن ذهب إلى أن معصية آدم على نبينا وآله وعليه السلام صغيرة من هذا الوجه، لأنه إذا قيل له: كيف تقبل توبته ويغفر له ومعصيته في الأصل وقعت مكفرة لا يستحق عليها شيئا " من العقاب؟ لم يكن له بد من الرجوع إلى ما ذكرناه، والتوبة قد يحسن أن يقع ممن لم يعهد من نفسه قبيحا " على سبيل الانقطاع إلى الله والرجوع إليه ويكون وجه حسنها في هذا الموضع استحقاق الثواب بها أو كونها لطفا "، كما يحسن أن يقع ممن يقطع على أنه غير مستحق للعقاب، وأن التوبة لا تؤثر في إسقاط شئ يستحقه من العقاب، ولهذا جوزوا التوبة من الصغائر وإن لم تكن مؤثرة في إسقاط ذم ولا عقاب انتهى.
ويدل على أن التوبة لا توجب إسقاط العقاب كثير من عبارات الأدعية المأثورة، ثم إنا لو سلمنا أن التوبة مما يوجب إسقاط العقاب نحمل التوبة ههنا على المجاز لما عرفت سابقا ".
الوجه الرابع: أنه تعالى سماه ظالما بقوله: " فتكونا من الظالمين " وهو سمى نفسه ظالما في قوله: " ربنا ظلمنا أنفسنا " والظالم ملعون لقوله: " ألا لعنة الله على الظالمين " (1) ومن استحق اللعن فهو صاحب الكبيرة.
وأجاب السيد رحمه الله: بأن معنى قولهما: " ربنا ظلمنا أنفسنا " (2) أنا نقصنا أنفسنا وبخسناها ما كنا نستحقه من الثواب فعل ما أريد منا، وحرمنا تلك الفائدة الجليلة من التعظيم، وذلك الثواب وإن لم يكن مستحقا " قبل أن يفعل الطاعة التي يستحق بها فهو في حكم المستحق، فيجوز أن يوصف من فوته نفسه بأنه ظالم لها، كما يوصف بذلك