انتهى. وقال الجوهري: الغي: الضلال والخيبة. وقال: خاب الرجل يخيب خيبة: إذا لم ينل ما طلب، وفي المثل: الهيبة خيبة. وقال الجزري: في حديث موسى وآدم على نبينا وآله وعليهما السلام: (لأغويت الناس) أي خيبتهم. يقال: غوى الرجل: إذا خاب و أغواه غيره، وحينئذ لا يكون قوله تعالى: " فغوى " تأكيدا " للعصيان، بل يكون المعنى: ترك ما امر به ندبا فحرم من الثواب الذي كان يستحقه لو فعله.
ويمكن أن يجاب على تقدير كون الغواية بمعنى الضلال وضد الرشاد بأن الرشد هو التوصل بشئ إلى شئ، وسلوك طريقة موصلة إلى المطلوب، فمن ارتكب ما يبعده عن مطلوبه كان ضالا " غاويا "، ولو كان بمخالفة أمر ندبي أو ارتكاب نهي تنزيهي، ولذا يقال لكل من بعد عن الطريق: إنه ضل، ولو سلم أن الغواية لا يستعمل حقيقة إلا فيما زعمه المستدل نقول: لابد من حمله في الآية على ما ذكرناه ولو على سبيل المجاز لدلائل العصمة. وأجيب أيضا " بأن " غوى " ههنا بمعنى بشم (1) من كثرة الأكل أي اتخم.
وقال السيد رضي الله عنه في جواب المسائل التي وردت عليه من الري: فإن قالوا:
ما المانع من أن يريد (وعصى) أي لم يفعل الواجب من الكف عن الشجرة والواجب يستحق بالإخلال به حرمان الثواب كالفعل المندوب إليه فكيف رجحتم ما ذهبتم إليه على ما ذهبنا نحن؟ قلنا: الترجيح لقولنا ظاهر، إذ الظاهر من قوله تعالى: " عصى فغوى " أن الذي دخلته الفاء جزاء على المعصية، وأنه كل الجزاء المستحق بالمعصية، لأن الظاهر من قول القائل: سرق فقطع، وقذف فجلد ثمانين أن ذلك جميع الجزاء لا بعضه، وكذلك إذا قال القائل: من دخل داري فله درهم حملناه على أن الدرهم جميع جزائه، ولا يستحق بالدخول سواه، ومن لم يفعل الواجب استحق الذم والعقاب وحرمان الثواب، ومن لم يفعل المندوب إليه فهو غير مستحق لشئ كان تركه للندب سببا " فيه إلا حرمان الثواب فقط، وبينا أن من لم يفعل الواجب ليس كذلك، وإذا كان الظاهر يقتضي أن ما دخلته الفاء جميع الجزاء على ذلك السبب لم يلق إلا بما قلناه دون ما ذهبوا إليه وهذا واضح لمن تدبره.