وإن كان لئيما أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تحشر إلا معه، ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحا، فإنه إن صلح آنست به، وإن فسد لا تستوحش إلا منه، وهو فعلك، الخبر.
ثم قال: قال بعض أصحاب القلوب: إن الحيات والعقارب بل والنيران التي تظهر في القبر والقيامة هي بعينها الاعمال القبيحة والأخلاق الذميمة والعقائد الباطلة التي ظهرت في هذه النشأة بهذه الصورة، وتجلببت بهذه الجلابيب، كما أن الروح والريحان والحور والثمار هي الأخلاق الزكية والأعمال الصالحة والاعتقادات الحقة التي برزت في هذا العالم بهذا الزي وتسمت بهذا الاسم، إذ الحقيقة الواحدة تختلف صورها باختلاف الأماكن، فتحلى في كل موطن بحلية، وتزيى في كل نشأة بزي، وقالوا:
إن اسم الفاعل في قوله تعالى: " يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين " ليس بمعنى الاستقبال بأن يكون المراد أنها ستحيط بهم في النشأة أخرى، كما ذكره الظاهريون من المفسرين، بل هو على حقيقته أي معنى الحال فإن قبائحهم الخلقية والعملية والاعتقادية محيطة بهم في هذه النشأة، وهي بعينها جهنم التي ستظهر عليهم في النشأة الأخروية بصورة النار وعقاربها وحياتها، وقس على ذلك قوله تعالى: " الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا " و كذلك قوله تعالى: " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا " ليس المراد أنها تجد جزاءه بل تجده بعينه لكن ظاهرا في جلباب آخر، وقوله تعالى: " فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون " كالصريح في ذلك ومثله في القرآن العزيز كثير، وورد في الأحاديث النبوية منه ما لا يحصى كقوله صلى الله عليه وآله: الذي يشرب في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في جوفه نار جهنم، وقوله صلى الله عليه وآله: الظلم ظلمات يوم القيامة، وقوله صلى الله عليه وآله: الجنة قيعان وإن غراسها: سبحان الله وبحمده، إلى غير ذلك من الأحاديث المتكثرة، والله الهادي، انتهى كلامه رفع الله مقامه.
أقول: القول باستحالة انقلاب الجوهر عرضا والعرض جوهرا في تلك النشأة مع القول بإمكانها في النشأة الآخرة قريب من السفسطة إذا النشأة الآخرة ليست إلا مثل تلك