بعد تفرقها " بلى " نجمعها " قادرين على أن نسوي بنانه " نجمع سلامياته ونضم بعضها إلى بعض كما كانت مع صغرها ولطافتها فكيف بكبار العظام، أو على أن نسوي بنانه الذي هو أطرافه فكيف بغيرها " بل يريد الانسان ليفجر أمامه " ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان " يسأل أيان يوم القيمة " متى يكون؟ استبعادا واستهزاءا.
وفي قوله تعالى: " أن يترك سدى ": أي مهملا لا يكلف ولا يجازى، وفي قوله:
" كان شره ": أي شدائده " مستطيرا " فاشيا منتشرا غاية الانتشار، من استطار الحريق والفجر وفي قوله تعالى: " والمرسلات عرفا " قال: أقسم بطوائف من الملائكة أرسلهن الله بأوامره متتابعة، فعصفن عصف الرياح في امتثال أمره، ونشرن الشرائع في الأرض، أو نشرن النفوس الموتى بالجهل بما أوحين من العلم ففرقن بين الحق والباطل، فألقين إلى الأنبياء ذكرا عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين، أو بآيات القرآن المرسلة بكل عرف إلى محمد صلى الله عليه وآله، فعصفن سائر الكتب والأديان بالنسخ ونشرن آثار الهدى والحكم في الشرق والغرب، وفرقن بين الحق والباطل فألقين ذكر الحق فيما بين العالمين، أو بالنفوس الكاملة المرسلة إلى الأبدان لاستكمالها فعصفن ما سوى الحق ونشرن أثر ذلك في جميع الأجزاء ففرقن بين الحق بذاته والباطل بنفسه، فيرون كل شئ هالكا إلا وجهه فألقين ذكرا بحيث لا يكون في القلوب والألسنة إلا ذكر الله، أو برياح عذاب أرسلن فعصفن، ورياح رحمة نشرن السحاب في الجو ففرقن، فألقين ذكرا أي تسببن له فإن العاقل إذا شاهد هبوبها وآثارها ذكر الله تعالى ويذكر كمال قدرته، وعرفا إما نقيض النكر وانتصابه على العلة أي أرسلن للاحسان والمعروف، أو بمعنى المتتابعة من عرف الفرس وانتصابه على الحال، " عذرا أو نذرا " مصدران لعذر إذا محا الإساءة، وأنذر: إذا خوف، أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة ونذير بمعنى الانذار، أو بمعنى العاذر والمنذر، ونصبهما على الأولين بالعلية أي عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين، أو البدلية من ذكرا على أن المراد به الوحي، أو ما يعم التوحيد والشرك والايمان والكفر، وعلى الثالث بالحالية " إنما توعدون لواقع " جواب القسم، ومعناه: إن الذي توعدونه من مجئ القيامة كائن لا محالة.