وفي قوله تعالى: " عم يتسائلون: " أصله عما فحذف الألف، ومعنى هذا الاستفهام تفخيم شأن ما يتساءلون عنه، كأنه لفخامته خفي جنسه فيسأل عنه، و الضمير لأهل مكة كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم، أو يسألون الرسول صلى الله عليه وآله والمؤمنين عنه استهزاءا " عن النبأ العظيم " بيان للشأن المفخم أو صلة يتساءلون، و عم متعلق بمضمر مفسر به " الذي هم فيه مختلفون " بجزم النفي والشك فيه، أو بالاقرار والانكار " كلا سيعلمون " ردع عن التساؤل ووعيد عليه " ثم كلا سيعلمون " تكرير للمبالغة، و " ثم " للاشعار بأن الوعيد الثاني أشد، وقيل: الأول عند النزع والثاني في القيامة، أو الأول للبعث والثاني للجزاء.
وفي قوله تعالى: " والنازعات غرقا ": هذه صفات ملائكة الموت فإنهم ينزعون أرواح الكفار من أبدانهم غرقا أي إغراقا في النزع، فإنهم ينزعونها من أقاصي الأبدان أو نفوسا غرقة في الأجساد، وينشطون أي يخرجون أرواح المؤمنين برفق من نشط الدلو من البئر: إذا أخرجها، ويسبحون في إخراجها سبح الغواص الذي يخرج الشئ من أعماق البحر، فيسبقون بأرواح الكفار إلى النار، وبأرواح المؤمنين إلى الجنة، فيدبرون أمر عقابها وثوابها بأن يهيؤوها لادراك ما أعد لها من الآلام واللذات، أو الأوليان لهم والباقيات لطوائف من الملائكة يسبحون في مضيها أي يسرعون فيه فيسبقون إلى ما أمروا به فيدبرون أمره، أو صفات النجوم فإنها تنزع من المشرق إلى المغرب غرقا في النزاع بأن تقطع الفلك حتى تنحط في أقصى المغرب، وتنشط من برج إلى برج أي تخرج، من نشط الثور: إذا خرج من بلد إلى بلد، ويسبحون في الفلك فيسبق بعضها في السير لكونه أسرع حركة فتدبر أمرا نيط بها كاختلاف الفصول وتقدير الأزمنة وظهور مواقيت العبادات، ولما كانت حركتها من المشرق إلى المغرب قسرية وحركاتها من برج إلى برج ملائمة سمي الأولى نزعا والثانية نشطا، أو صفات النفوس الفاضلة حال المفارقة فإنها تنزع عن الأبدان غرقا أي نزعا شديدا من إغراق النازع في القوس فتنشط إلى عالم الملكوت. وتسبح فيها فتسبق إلى حظائر القدس فتصير لشرفها وقوتها من المدبرات، أو حال سلوكها فإنها تنزع عن الشهوات وتنشط إلى عالم القدس فتسبح