تعالى: " قل نزله روح القدس " يعني جبرئيل عليه السلام. فأما ما ذكره أبو جعفر ورواه أن الأرواح مخلوقة قبل الأجسام بألفي عام فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، فهو حديث من أحاديث الآحاد، وخبر من طرق الافراد، وله وجه غير ما ظنه من لا علم له بحقائق الأشياء، وهو أن الله تعالى خلق الملائكة عليهم السلام قبل البشر بألفي عام، فما تعارف منها قبل خلق البشر ائتلف عند خلق البشر، وما لم يتعارف منها إذ ذاك اختلف بعد خلق البشر، وليس الامر كما ظنه أصحاب التناسخ، ودخلت الشبهة فيه على حشوية الشيعة فتوهموا أن الذوات الفعالة المأمورة المنهية كانت مخلوقة في الذر، وتتعارف وتعقل وتفهم وتنطق، ثم خلق الله لها أجسادا من بعد ذلك فركبها فيها، ولو كان ذلك كذلك لكنا نعرف ما كنا عليه، وإذا ذكرنا به ذكرناه، ولا يخفى علينا الحال فيه ألا ترى أن من نشأ ببلد من البلاد فأقام فيها حولا ثم انتقل إلى غيره لم يذهب عنه علم ذلك، وإن خفي عليه لسهوه عنه فذكر به ذكره، ولولا أن الامر كذلك لجاز أن يولد إنسان منا ببغداد وينشأ بها ويقيم عشرين سنة فيها ثم ينتقل منها إلى مصر آخر فينسى حاله ببغداد ولا يذكر منها شيئا وإن ذكر به وعدد عليه علامات حاله ومكانه ونشوه، وهذا ما لا يذهب إليه عاقل.
والذي صرح به أبو جعفر في معنى الروح والنفس هو قول التناسخية بعينه من غير أن يعلم أنه قولهم، فالجناية بذلك على نفسه وغيره عظيمة.
وأما ما ذكره من أن الأنفس باقية فعبارة مذمومة ولفظ يضاد ألفاظ القرآن، قال الله تعالى: " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والاكرام " والذي حكاه من ذلك وتوهمه هو مذهب كثير من الفلاسفة الملحدين الذين زعموا أن الأنفس لا يلحقها الكون والفساد وأنها باقية، وإنما تفنى وتفسد الأجسام المركبة، وإلى هذا ذهب بعض أصحاب التناسخ، وزعموا أن الأنفس لم تزل تتكرر في الصور والهياكل لم تحدث ولم تفن ولم تعدم وأنها باقية غير فانية، وهذا من أخبث قول وأبعده من الصواب، وشنع به الناصبة على الشيعة ونسبوهم به إلى الزندقة ولو عرف مثبته ما فيه لما تعرض له، لكن أصحابنا المتعلقين بالاخبار أصحاب سلامة وبعد ذهن وقلة فطنة، يمرون على