فإنك امرؤ ملبوس عليك، إن دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحق، فاعرف الحق تعرف أهله.
يا حارث إن الحق أحسن الحديث والصادع (1) به مجاهد، وبالحق أخبرك فارعني سمعك، ثم خبر به من كانت له حصانة من أصحابك، ألا إني عبد الله، وأخو رسوله، وصديقه الأول قد صدقته وآدم بين الروح والجسد، ثم إني صديقة الأول في أمتكم حقا فنحن الأولون، ونحن الآخرون، ونحن خاصته يا حارث وخالصته وأنا صفوه ووصيه ووليه، وصاحب نجواه وسره، أوتيت فهم الكتاب، وفصل الخطاب وعلم القرون والأسباب، واستودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب، يفضي كل باب إلى ألف (2) عهد، وأيدت واتخذت وأمددت بليلة القدر نفلا، وإن ذلك ليجري لي ولمن تحفظ (3) من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأبشرك يا حارث لتعرفني عند الممات، وعند الصراط، وعند الحوض، وعند المقاسمة.
قال الحارث، وما المقاسمة؟ قال: مقاسمة النار أقاسمها قسمة صحيحة، أقول:
هذا وليي فاتركيه، وهذا عدوي فخذيه. ثم أخذ أمير المؤمنين عليه السلام بيد الحارث فقال:
يا حارث أخذت بيدك كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيدي، فقال لي - وقد شكوت إليه حسد قريش والمنافقين لي -: إنه إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل الله وبحجزته - يعني عصمته - من ذي العرش تعالى، وأخذت أنت يا علي بحجزتي، وأخذ ذريتك بحجزتك وأخذ شيعتكم بحجزكم، فماذا يصنع الله بنبيه؟ وما يصنع نبيه بوصيه؟ خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة، أنت مع من أحببت ولك ما اكتسبت - يقولها ثلاثا - فقام الحارث يجر رداءه ويقول: ما أبالي بعدها متى لقيت الموت أو لقيني. قال جميل بن صالح: وأنشدني أبو هاشم السيد الحميري رحمه الله فيما تضمنه هذا الخبر:
قول علي لحارث عجب * كم ثم أعجوبة له حملا