لا انبساط خطوة في ليل داج ولا غسق ساج، يتفيأ عليه القمر المنير، وتعقبه الشمس ذات النور في الأفول والكرور، (1) وتقليب الأزمنة والدهور، من إقبال ليل مقبل، و إدبار نهار مدبر، قبل كل غاية ومدة، وكل إحصاء وعدة، تعالى عما ينحله المحددون من صفات الاقدار، ونهايات الأقطار، وتأثل المساكن، وتمكن الأماكن، فالحد لخلقه مضروب، وإلى غيره منسوب، لم يخلق الأشياء من أصول أزلية، ولامن أوائل أبدية، بل خلق ما خلق فأقام حده، وصور ما صور فأحسن صورته، ليس لشئ منه امتناع، ولاله بطاعة شئ انتفاع، علمه بالأموات الماضين كعلمه بالاحياء الباقين، وعلمه بما في السماوات العلى كعلمه بما في الأرضين السفلى.
ايضاح: ساطح المهاد أي باسط الأرض التي هي بمنزلة الفراش للخلق، و الوهد: المكان المنخفض، والنجاد: ما ارتفع من الأرض أي مجري السيول في الوهاد، ومنبت العشب والنبات والأشجار في النجاد. قوله: انقضاء أي في طرف الأبد، ويحتمل أن يكون المراد بالأولية العلية أي ليست له علة، وليس لوجوده في الأزل انقضاء، والأول أوفق بالفقرتين الآتيتين لفا ونشرا، وشخوص اللحظة: مد البصر بلا حركة جفن، وكرور اللفظة: رجوعها، وقيل: ازدلاف الربوة صعنود إنسان أو حيوان ربوة من الأرض، وهي الموضع المرتفع، وقيل: ازدلاف الربوة تقدمها في النظر، فإن الربوة أول ما يقع في العين من الأرض عند مد البصر من الزلف بمعنى القرب.
قوله عليه السلام: داج اي مظلم، والغسق محركة: ظلمة أول الليل، وقوله: ساج أي ساكن، كما قال تعالى: " والليل إذا سجى " (2) أي سكن أهله، أو ركد ظلامه من سجى البحر سجوا إذا سكنت أمواجه. قوله عليه السلام: يتفيأ هذا من صفات الغسق ومن تتمة نعته، ومعنى يتفيأ عليه: يتقلب ذاهبا وجائيا في حالتي أخذه في الضوء إلى التبدر، وأخذه في النقص إلى المحاق، والضمير في عليه للغسق.
وقوله: وتعقبه أي تتعقبه فحذف إحدى التائين، والضمير فيه للقمر. وقوله: