فكريا مفضل في أعضاء البدن أجمع وتدبير كل منها للإرب، فاليدان للعلاج، والرجلان للسعي، والعينان للاهتداء، والفم للاغتذاء، والمعدة للهضم، والكبد للتخليص، (1) والمنافذ لتنفيذ الفضول، (2) والأوعية لحملها، والفرج لإقامة النسل، وكذلك جميع الأعضاء إذا تأملتها وأعملت فكرك فيها ونظرك وجدت كل شئ منها قد قدر لشئ على صواب وحكمة.
قال المفضل: فقلت: يا مولاي إن قوما يزعمون أن هذا من فعل الطبيعة، فقال:
سلهم عن هذه الطبيعة، أهي شئ له علم وقدرة على مثل هذه الأفعال، أم ليست كذلك؟
فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق؟ فإن هذه صنعته، وإن زعموا أنها تفعل هذه الأفعال بغير علم ولا عمد وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب و الحكمة علم أن هذا الفعل للخالق الحكيم، وأن الذي سموه طبيعة هو سنة في خلقه الجارية على ما أجراها عليه.
ايضاح: قوله عليه السلام: فما يمنعهم؟ لعل المراد أنهم إذا قالوا بذلك فقد أثبتوا الصانع فلم يسمونه بالطبيعة وهي ليست بذات علم وإرادة وقدرة؟. قوله عليه السلام: علم أن هذا الفعل أي ظاهر بطلان هذا الزعم، والذي صار سببا لذهولهم أن الله تعالى أجرى عادته بأن يخلق الأشياء بأسبابها فذهبوا إلى استقلال تلك الأسباب في ذلك، وبعبارة أخرى أن سنة الله وعادته قد جرت لحكم كثيرة أن تكون الأشياء بحسب بادئ النظر مستندة إلى غيره تعالى، ثم يعلم بعد الاعتبار والتفكر أن الكل مستند إلى قدرته و تأثيره تعالى، وإنما هذه الأشياء وسائل وشرائط لذلك، فلذا تحيروا في الصانع تعالى، فالضمير المنصوب في قوله: أجراها راجع إلى السنة، وضمير " عليه " راجع إلى الموصول.
فكريا مفضل في وصول الغذاء إلى البدن وما فيه من التدبير، فإن الطعام يصير