في ذلك، فتنبه أن صفاته كلها صفات المخلوقين، وكانت معاندته مانعة عن الاذعان بالصانع تعالى فبقي متحيرا، فقال عليه السلام: إذا رجعت إلى نفسك ووجدت في نفسك صفة المخلوقين فلم لا تذعن بالصانع؟ فاعترف بالعجز عن الجواب، وقال: سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك ولا يسألني أحد بعدك. قوله عليه السلام: هبك أي افرض نفسك أنك علمت ما مضى وسلمنا ذلك لك، قال الفيروزآبادي: هبني فعلت أي احسبني فعلت وأعددني، كلمة للامر فقط. وحاصل جوابه عليه السلام: أو لا أنك بنيت أمورك كلها على الظن والوهم لأنك تقطع بأنك لا تسأل بعد ذلك عن مثلها مع أنه لا سبيل لك إلى القطع به. وأما قوله عليه السلام: على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك يحتمل وجوها:
الأول: أن يكون المراد أن نفيك للصانع مبني على أنك تزعم أن لا علية بين الأشياء ونسبة الوجود والعدم إليها على السواء، والاستدلال على الأشياء الغير المحسوسة إنما يكون بالعلية والمعلولية، فكيف حكمت بعدم حصول الشئ في المستقبل؟ فيكون المراد بالتقدم والتأخر العلية والمعلولية أو ما يساوقهما.
الثاني: أن يكون مبنيا على ما لعلهم كانوا قائلين به، وربما أمكن إلزامهم بذلك، بناءا على نفي الصانع من أن الأشياء متساوية غير متفاوتة في الكمال والنقص، فالمراد: أنك كيف حكمت بتفضيلي على غيري؟ وهو مناف للمقدمة المذكورة، فالمراد بالتقدم والتأخر ما هو بحسب الشرف.
الثالث: أن يكون مبنيا على ما ينسب إلى أكثر الملاحدة من القول بالكمون والبروز أي مع قولك بكون كل حقيقة حاصلة في كل شئ كيف يمكنك الحكم بتقدم بعض الأشياء على بعض في الفضل والشرف.
قوله عليه السلام وفي ذلك زوال وانتقال، حاصل استدلاله عليه السلام إما راجع إلى دليل المتكلمين من أن عدم الانفكاك عن الحوادث يستلزم الحدوث، أو إلى أنه لا يخلو إما أن يكون يعض تلك الأحوال الزائلة المتغيرة قديما أم لا بل يكون كلها حوادث وكل منهما محال: أما الأول فلما تقرر عند الحكماء من أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه، و أما الثاني فللزوم التسلسل بناءا على جريان دلائل إبطاله في الأمور المتعاقبة، ويمكن