أنه لا شئ إذا لم يدرك بحاسة من الحواس، فقال أبو الحسن عليه السلام: ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته، ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا، وأنه شئ بخلاف الأشياء. قال الرجل: فأخبرني متى كان؟ قال أبو الحسن عليه السلام: أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان. قال الرجل: فما الدليل عليه؟ قال أبو الحسن عليه السلام: إني لما نظرت إلى جسدي فلم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول، ودفع المكاره عنه، وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب، وتصريف الرياح، ومجرى الشمس والقمر والنجوم، وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات علمت أن لهذا مقدرا و منشئا قال الرجل: فلم احتجب؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: إن الحجاب على الخلق (1) لكثرة ذنوبهم فأما هو فلا تخفى عليه خافية في آناء الليل والنهار، قال: فلم لا تدركه حاسة البصر؟ قال: للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسة الابصار منهم ومن غيرهم، ثم هو أجل من أن يدركه بصر، أو يحيط به وهم، أو يضبطه عقل. قال:
فحده لي، فقال: لاحد له، قال: ولم؟ قال: لان كل محدود متناه إلى حد، وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة، وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان، فهو غير محدود ولا متزائد ولا متناقص، ولا متجزى ولا متوهم، قال الرجل: فأخبرني عن قولكم:
إنه لطيف وسميع وبصير وعليم وحكيم، (2) أيكون السميع إلا بالاذن، والبصير إلا بالعين، واللطيف إلا بعمل اليدين، والحكيم إلا بالصنعة؟ فقال أبو الحسن عليه السلام:
إن اللطيف منا على حد اتخاذ الصنعة، أو ما رأيت الرجل يتخذ شيئا فيلطف في اتخاذه فيقال: ما ألطف فلانا! فكيف لا يقال للخالق الجليل: لطيف إذ خلق خلقا لطيفا وجليلا وركب في الحيوان منه أرواحها، وخلق كل جنس متبائنا من جنسه في الصورة ولا يشبه بعضه بعضا؟ فكل له لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب صورته، ثم نظرنا إلى الأشجار وحملها أطائبها المأكولة منها وغير المأكولة فقلنا عند