ذلك: إن خالقنا لطيف، لا كلطف خلقه في صنعتهم، وقلنا: إنه سميع لأنه لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثرى، من الذرة إلى أكبر منها، في برها وبحرها، ولا تشتبه عليه لغاتها، فقلنا عند ذلك: إنه سميع لا باذن، وقلنا: إنه بصير لا ببصر لأنه يرى أثر الذرة السحماء في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء، ويرى دبيب النمل في الليلة الدجنة، ويرى مضارها ومنافعها وأثر سفادها (1) وفراخها ونسلها فقلنا عند ذلك: إنه بصير لا كبصر خلقه، قال: فما برح حتى أسلم. وفيه كلام غير هذا.
الإحتجاج: رواه مرسلا عن محمد بن عبد الله الخراساني إلى آخر الخبر.
بيان: أوجدني أي أفدني كيفيته ومكانه، وأظفرني بمطلبي الذي هو العلم بهما.
هو أين الأين أي جعل الأين أينا بناءا على مجعولية الماهيات، أو أوجد حقيقة الأين وكذا الكيف. والكيفوفية والأينونية الاتصاف بالكيف والأين. قوله: فإذن أنه لا شئ هذا السائل لما كان وهمه غالبا على عقله زعم أن الموجود ما يمكن إحساسه فنفى الوجود عنه تعالى بناءا على أنه عليه السلام نفى عنه أن يحس فأجاب عليه السلام بأنك جعلت تعاليه عن أن يدرك بالحواس دليلا على عدمه، ونحن إذا عرفناه بتعاليه عن أن يدرك بالحواس أيقنا أنه ربنا بخلاف شئ من الأشياء، إذا المحسوسية تستلزم أمورا كل منها مناف للربوبية على ما برهن عليه في محله. قوله: فأخبرني متى كان الظاهر أنه سأل عن ابتداء كونه ووجوده، ويحتمل أن يكون السؤال عن أصل زمان وجوده تعالى، فعلى الأول حاصل جوابه عليه السلام أن ابتداء الزمان إنما يكون لحادث كان معدوما ثم صار موجودا وهو تعالى يستحيل عليه العدم، وعلى الثاني فالمراد أن الكائن في الزمان إنما يكون فيه بتغير وتبدل في ذاته وصفاته لان الزمان نسبة المتغير إلى المتغير فيكون بحال في زمان لا يكون كذلك في زمان آخر، وهو متعال عن التغير في الذات والصفات. قوله:
فلم احتجب توهم السائل أن احتجابه تعالى عبارة عن كونه وراء حجاب، فأجاب عليه السلام بأنا غير محجوبين عنه لإحاطة علمه بنا، وكنه ذاته وصفاته محجوبة عنا لعجزنا وقصورنا عن إدراكه بأن يكون المراد بالذنوب الحجب الظلمانية الامكانية، ويحتمل أن يكون