ثم قال: وغلا هشام بن الحكم في حق علي عليه السلام حتى قال: إنه إله واجب الطاعة وهذا هشام بن الحكم صاحب غور في الأصول، لا يجوز أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة فان الرجل وراء ما يلزمه على الخصم، ودون ما يظهره من التشبيه، وذلك أنه ألزم العلاف فقال: إنك تقول: إن الباري تعالى عالم بعلم وعلمه ذاته فيشارك المحدثات في أنه عالم بعلم ويباينها في أن علمه ذاته فيكون عالما لا كالعالمين، فلم لا تقول: هو جسم لا كالأجسام؟
وصورة لا كالصور، وله قدر لا كالأقدار، إلى غير ذلك. انتهى.
أقول: فظهر أن نسبة هذين القولين إليهما إما لتخطئة رواة الشيعة وعلمائهم لبيان سفاهة آرائهم، أو أنهم لما ألزموهم في الاحتجاج أشياء إسكاتا لهم نسبوها إليهم، والأئمة عليهم السلام لم ينفوها عنهم إما للتبري عنهم إبقاءا عليهم، أو لمصالح اخر. ويمكن أن يحمل هذا الخبر على أن المراد: ليس هذا القول الذي تقول ما قال الهشامان بل قولهما مباين لذلك. ويحتمل أن يكون هذان مذهبهما قبل الرجوع إلى الأئمة عليهم السلام والاخذ بقولهم، فقد قيل: إن هشام بن الحكم كان قبل أن يلقي الصادق عليه السلام على رأي جهم بن صفوان، فلما تبعه عليه السلام تاب ورجع إلى الحق، ويؤيده ما ذكره الكراجكي في كنز الفوائد في الرد على القائلين بالجسم بمعنييه حيث قال: وأما موالاتنا هشاما رحمه الله فهي لما شاع عنه واستفاض من تركه للقول بالجسم الذي كان ينصره، ورجوعه عنه، وإقراره بخطائه فيه وتوبته منه، وذلك حين قصد الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام إلى المدينة فحجبه، وقيل له: إنه أمرنا أن لا نوصلك إليه ما دمت قائلا بالجسم، فقال:
والله ما قلت به إلا لأني ظننت أنه وفاق لقول إمامي، فأما إذا أنكره علي فإنني تائب إلى الله منه، فأوصله الإمام عليه السلام إليه ودعا له بخير وحفظ.
4 - عن الصادق عليه السلام أنه قال لهشام: إن الله تعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ، وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه.
5 - وروي عنه أيضا أنه قال: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو، ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير، لا يحد ولا يحس، ولا يدركه الابصار، ولا يحيط به شئ، ولا هو جسم ولا صورة ولا بذي تخطيط ولا تحديد.