سعادتك، فاعلم أن هذه الهداية إلى الهدية إنما حصلت لك بطريق عناية الله جل جلاله بأولئك الصفوة المرضية، واخلاصهم في معاملة الجلالة الإلهية، وخاصة فإنك تقول: لولا حجج الله جل جلاله على العباد ما خلق الله جل جلاله أرضا ولا سماء ولا أحدا في البلاد، ولا نارا ولا جنة للمعاد، ولا شيئا من النعيم والإرفاد، فهل ترى أعمالك جميعها إلا في ميزان ما بهم وفي ديار رضوان ثوابهم، لأن إخلاصهم في العبادة كان بفضل الله جل جلاله عليهم سبب ما يبلغ إليه من السعادة، فإذا كان في الحساب ولو دار على مال ولو كنت تبلغه لولا عموم الكرم والافضال، ولو كنت عارفا بمقدار حق الله تعالى بهم وحقهم عليك بالله جل جلاله وما يضيع من حقوقهم بالليل والنهار، كنت قد رأيت ما تهديه يحتاج إلى إعتذار، وكنت قلت كقول بعض الاعتبار:
فان يقبلوا منى هدية قاصر عددت لكم ذاك القبول من الفضل وكان قبول عندكم فضل رحمة يعزبها قلب الولي من الذل ويوجب شكرا عنده لمقامكم وفرض حقوق لا يقوم لها مثلي وقال لي بعض أصحابنا: إني استصغر نفسي وعملي أن أهدى إليهم فقلت له: إذا كنت لا تستصغر نفسك عن خدمة الله جل جلاله بحمده وساير خدمته، وهو أعظم من كل عظيم، فلا معنى لاستصغار نفسك عن خدمة نوابه، لا سيما وقد رضوهم خدمتك لهم.