فانقطع يحيى انقطاعا لم يخف على أحد من أهل المجلس، وتحير الناس تعجبا من جوابه، ونشط (1) المأمون فقال: تخطب أبا جعفر لنفسك؟ فقام (عليه السلام) فقال:
الحمد لله منعم النعم برحمته، والهادي لأفضاله بمنه، وصلى الله على محمد (2) خير خلقه الذي جمع فيه من الفضل ما فرقه في الرسل قبله، وجعل تراثه إلى من خصه بخلافته، وسلم تسليما.
وهذا أمير المؤمنين زوجني ابنته على ما جعل الله للمسلمات على المسلمين من إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، وقد بذلت لها من الصداق ما بذله رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأزواجه خمسمائة درهم، ونحلتها من مالي مائة ألف درهم، زوجتني يا أمير المؤمنين؟
فقال المأمون: الحمد لله إقرارا بنعمته، ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته (3)، وصلى الله على محمد عبده وخيرته، وكان من فضل (4) الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال: * (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) * (5). ثم إن محمد ابن علي خطب أم الفضل بنت عبد الله، وبذل لها من الصداق خمسمائة درهم، وقد زوجته، فهل قبلت يا أبا جعفر؟
قال أبو جعفر (عليه السلام): قد قبلت هذا التزويج، بهذا الصداق.
ثم أولم عليه المأمون، فجاء الناس على مراتبهم، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كلاما كأنه كلام الملاحين، فإذا نحن بالخدم يجرون سفينة من فضة، مملوءة غالية، فصبغوا بها لحى الخاصة، ثم مدوها إلى دار العامة فطيبوهم. فلما تفرق الناس قال المأمون: يا أبا جعفر، إن رأيت أن تبين لنا ما الذي يجب على كل صنف من هذه