ثم أقبلت السحابة الحادية عشرة، فقال: أيها الناس، هذه بعثها الله لكم، واشكروا الله على فضله عليكم، وقوموا إلى مقاركم ومنازلكم، فإنها مسامتة لرؤوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا مقاركم، ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله (جل جلاله).
ونزل عن المنبر وانصرف الناس.
فما زالت السحابة متماسكة إلى أن قربوا من منازلهم، ثم جاءت بوابل المطر، فملأت الأودية والحياض والغدران والفلوات، فجعل الناس يقولون: هنيئا لولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كرامة الله (عز وجل) (1).
ثم برز إليهم الرضا (عليه السلام)، وحضرت الجماعات الكثيرة منهم، فقال (عليه السلام):
اتقوا الله في نعمكم التي أنعم الله بها عليكم، فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، بل استديموها بطاعته، واشكروه على أياديه، واعلموا أنكم لا تشكرون الله (تعالى) بشئ بعد الإيمان به والاعتراف بحقوق أوليائه من آل محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحب إليه من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم إلى جنان ربهم، فإن من فعل ذلك كان من خاصة الله (تعالى)، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك قولا ما ينبغي لعاقل أن يزهد في فضل الله عليه فيه إن تأمله، وعمل عليه.
قيل: يا رسول الله، هلك فلان، يفعل من الذنوب كيت وكيت.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بل نجا، ولا يختم الله عمله إلا بالحسنى، وسيمحو الله عنه السيئات، ويبدلها حسنات. وقال: فإنه كان مارا في طريق وعبر بمؤمن قد انكشفت عورته، وهو لا يشعر، فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل، ثم إن ذلك المؤمن عرفه في مهواة، فقال له: أجزل الله لك الثواب، وأكرم لك المآب، ولا ناقشك في الحساب. فاستجاب الله له فيه، فهذا العبد لا يختم له إلا بخير، بدعاء ذلك المؤمن (2).