وتشعبت مذاهبها، واستهانت بفرائض الله عز وجل، وخفت ((1)) إلى محارم الله تعالى، فطال بعضها علوا، وانخفض بعضها تقصيرا، وشكوا جميعا إلا القليل في إمام زمانهم، وولي أمرهم، وحجة ربهم التي اختارها بعلمه، كما قال جل وعز:
(وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) ((2)) من أمرهم للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكرها، وتقدم من أمير المؤمنين (عليه السلام) خبرها، ونطق في المأثور من خطبه والمروي عنه من كلامه وحديثه، بالتحذير من فتنتها، وحمل أهل العلم والرواية عن الأئمة من ولده (عليهم السلام) واحدا بعد واحد أخبارها حتى ما منهم أحد إلا وقدم القول فيها، وحقق كونها، ووصف امتحان الله تبارك وتعالى اسمه خلقه بها بما أوجبته قبائح الأفعال ومساوئ الأعمال، والشح المطاع، والعاجل الفاني المؤثر على الدائم الباقي، والشهوات المتبعة، والحقوق المضيعة التي اكتسبت سخط الله عز وتقدس، فلم يزل الشك والارتياب قادحين في قلوبهم - كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامه لكميل بن زياد في صفة طالبي العلم وحملته: " أو منقادا لأهل الحق لا بصيرة له، ينقدح الشك في قلبه ((3)) لأول عارض من شبهة - حتى أداهم ذلك إلى التيه والحيرة والعمى والضلالة، ولم يبق منهم إلا القليل النزر الذين ثبتوا على دين الله، وتمسكوا بحبل الله، ولم يحيدوا عن صراط الله المستقيم "، وتحقق فيهم وصف الفرقة الثابتة على الحق التي لا تزعزعها الرياح، ولا يضرها الفتن، ولا يغرها لمع السراب، ولم تدخل في دين الله بالرجال فتخرج منه بهم.
كما روينا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: من دخل في هذا الدين