والبراهين الظاهرة، وشفعه ذلك ببعثه إليهم الخيرة من خلقه رسلا مصطفين، مبشرين ومنذرين، دالين هادين، مذكرين ومحذرين، ومبلغين مؤدين، بالعلم ناطقين، وبروح القدس مؤيدين، وبالحجج غالبين، وبالآيات لأهل الباطل قاهرين، وبالمعجزات لعقول ذوي الألباب باهرين، أبانهم من خلقه بما أولاهم من كرامته، وأطلعهم على غيبه، ومكنهم فيه من قدرته، كما قال عز وجل: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) ((1)) ترفعا لأقدارهم، وتعظيما لشأنهم، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ولتكون حجة الله عليهم تامة غير ناقصة.
والحمد لله الذي من علينا بمحمد سابق بريته إلى الإقرار بربوبيته، وخاتم أصفيائه، إنذارا برسالته، وأحب أحبائه إليه، وأكرم أنبيائه عليه، وأعلاهم رتبة لديه، وأخصهم منزلة منه، أعطاه جميع ما أعطاهم، وزاده أضعافا على ما أتاهم، وأحله المنزلة التي أظهر بها فضله عليهم، فصيره إماما لهم، إذ صلى في سمائه بجماعتهم، وشرف مقامه على كافتهم، وأعطاه الشفاعة دونهم، ورفعه مستسيرا إلى علو ملكوته ((2)) حتى كلمه في محل جبروته بحيث جاز مراتب الملائكة المقربين، ومقامات الكروبيين والحافين.
وأنزل عليه كتابا جعله مهيمنا على كتبه المتقدمة، ومشتملا على ما حوته من العلوم الجمة وفاضلا عليها بأن جعله كما قال تعالى: (تبيانا لكل شئ) ((3)) لم يفرط فيه من شئ، فهدانا الله عز وجل بمحمد (صلى الله عليه وآله) من الضلالة والعمى، وأنقذنا به من الجهالة والردى، وأغنانا به وبما جاء به من الكتاب المبين، وما أكمله لنا