وأن له إذا شاء أن يطلب ذلك منه طلبه، والقيام فيه.
وكذلك امتناعه أن يبايعهم لما أتوه ليبايعوه، ليس بمزيل ما وجب له، كما أن ذا الحق إذا عرض عليه حقه، فأبى في وقت ذلك أخذه، وأخره إلى وقت آخر لم يسقط ذلك، مع ما أراد صلوات الله عليه في ذلك من التأكيد عليهم باشتراط ما شرطه لما تقدم - وعودوه من خلافه من غير الواجب.
وكان أول ما امتحن به عليه السلام بعد أن بويع، وافضي الأمر إليه، بعد أن أوغر صدور الخاصة بأن قطع عنهم من الإثرة ما عودوه، والعامة بما حملهم من العدل عليه إلا من عصم الله جل ذكره ممن امتحن الله بالايمان قلبه فخف عليه من ذلك ما استثقله غيره، ما قد احتال به من أراد التوثب عليه من القيام بدم عثمان ممن كان قد ألب عليه، وقام مع قاتليه وممن خذله، وقعد عنه، فامتحن علي صلوات الله عليه بذلك محنة لم يجد معها غير ما صار إليه، لأن جميع الخواص والوجوه من جميع الصحابة والمهاجرين والأنصار كانوا قد حلوا فيه محلتين ونزلوا فيه منزلتين: بين قائم عليه مجاهر بذلك حتى قتل، وبين راض بذلك، خاذل له معرض عما حل به. وعامة من غاب عن ذلك من سواد الناس وجملتهم يكبرون قتله، ويتعاظمونه مع ما قبحه لهم وألبهم به، وأغراهم من قبح ذلك لهم ممن خرج مع طلحة والزبير وعائشة، واظهارهم أنهم إنما قاموا يطلبون بدم عثمان. وما اقتفاه معاوية وعمرو بن العاص في ذلك من آثارهم، وسلكاه حتى صار ذلك عند العامة من أكبر الكبائر، وأعظم العظائم لا يلتفتون فيه إلى من قتله، وأعان عليه، ولا إلى من قعد عنه وخذله فيه من أكابر الصحابة الذين هم قدوتهم، وعنهم يأخذون دينهم.
فوقف علي صلوات الله عليه من ذلك على أمرين، المكروه في كليهما، إن هو صرح بتصويب قتله استفسد العامة. وإن صرح بإنكاره استفسد الخاصة.