اليهود فكربوه، وأجرى الماء حوله، ووكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل، لا يزوره زائر إلا أخذوه ووجهوا به إليه.
فحدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: بعد عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفا، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها وساعدني رجل من العطارين على ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل حتى أتينا نواحي الغاضرية، وخرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين وقد ناموا حتى أتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نشمه ونتحرى جهته حتى أتيناه، وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه وأحرق، وأجري الماء عليه فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق، فزرناه وأكببنا عليه فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط كشئ من الطيب، فقلت للعطار الذي كان معي: أي رائحة هذه؟ فقال: لا والله ما شممت مثلها كشئ من العطر، فودعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة حتى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه.
واستعمل على المدينة ومكة عمر بن الفرج الرخجي فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس، ومنع الناس من البر بهم، وكان لا يبلغه أن أحدا أبر أحدا منهم بشئ وان قل إلا أنهكه عقوبة، وأثقله غرما، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة، ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر، إلى أن قتل المتوكل، فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم، ووجه بمال فرقه فيهم، وكان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادة مذهبه طعنا عليه ونصرة لفعله.