العميد ان يكرمه ويجله ويرعى حرمته في دخوله وخروجه. ولكنه حين عدم ذلك من ابن العميد لم يطق صبرا دون ان يثأر لكرامته، فتجيش نفسه بهذه الأبيات التي يعاتب فيها ابن العميد ويذكره بانعدام الفروق بينهما في الأرومة والفضيلة، فيقول له مالك موفور فما باله * أكسبك التيه على المعدم؟
ولم إذا جئت نهضنا وإن * جئنا تطاولت ولم تتمم؟
وإن خرجنا لم تقل مثل ما * نقول: " قدم طرفه قدم "؟
ان كنت ذا علم فمن ذا الذي * مثل الذي تعلم لم يعلم؟
ولست في الغارب من دولة * ونحن من دونك في المنسم وقد ولينا وعزلنا، كما * أنت، فلم نصغر ولم نعظم تكافأت أحوالنا كلها * فصل على الانصاف أو فاصرم ومع أن المهلبي كان وزيرا في زمن كانت الوزارة كالصك الذي يملك صاحبه رقاب الناس وأموالهم ومصائرهم، وان أبا الفرج لم يكن إلا أديبا كسائر الأدباء الكثر الذين كانت تحفل بهم يومئذ أندية بغداد - مع كل هذا الفارق الكبير بين مكانة الرجلين السياسية والاجتماعية، فان أبا الفرج لم يكن يرضى لنفسه الأبية اي ذل أو هوان، ولم يكن يقبل من صاحبه المهلبي معاملة دون معاملة الند للند.
والقارئ يلحظ هذا المعنى واضحا في حادث جرى لأبي الفرج مع المهلبي، إذ رأى أبو الفرج منه بعض ما يكره، فما عتم ان جابهه بكل إباء وشمم يخاطبه كمن يلوم نفسه على صحبته:
أبعين مفتقر إليك رأيتني * بعد الغنى فرميت بي من حالق؟
لست الملوم انا الملوم لأنني * أملت للاحسان غير الخالق!