خاتمة المستدرك - الميرزا النوري - ج ٣ - الصفحة ٢١٢
الكوفي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن كميل بن زياد النخعي قال: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأخرجني إلى الجبان، فلما أصحر تنفس السعداء، ثم قال: يا كميل بن زياد، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيؤوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق.
يا كميل بن زياد، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق.
يا كميل بن زياد، معرفة العلم دين يدان به، يكسب الانسان الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه.
يا كميل بن زياد، هلك خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. ها إن ها هنا لعلما جما - وأشار إلى صدره - لو أصبت له حملة، بلى أصبت لقنا غير مأمون عليه، مستعملا آلة الدين للدنيا، ومستظهرا بنعم الله على عباده، وبحججه على أوليائه. أو منقادا لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة. ألا لا ذا ولا ذاك. أو منهوما باللذة، سلس القياد للشهوة.
أو مغرما بالجمع والادخار، ليسا من رعاة الدين في شئ، أقرب شبها بهما الانعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه.
اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهرا مشهورا، أو خافيا مغمورا، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم ذا؟ وأين؟ أولئك والله الأقلون عددا، والأعظمون قدرا، بهم يحفظ الله حججه وبيناته حتى يودعها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم. هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعر المترفون، وأنسوا بما
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»