شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٥ - الصفحة ٥٨
الجهل المركب فليس منه تعالى ومن زعم أنه منه فهو ذو جهل مركب بل هو من الشيطان (1) وقال الفاضل الأسترآبادي في الفوائد المدنية: هنا إشكال كان لا يزال يخطر ببالي في أوائل سني وهو أنه كيف نقول بأن التصديقات فائضة من الله تعالى على النفوس الناطقة ومنها كاذبة ومنها كفرية وهذا إنما يتجه على رأي جمهور الأشاعرة - القائلين بجواز العكس بأن يجعل الله كل ما حرمه واجبا وبالعكس - المنكرين للحسن والقبح الذاتيين لا على رأي محققيهم ولا على رأي المعتزلة ولا على رأي أصحابنا.
والجواب أن التصديقات الصادقة فائضة على القلوب بلا واسطة أو بواسطة ملك وهي تكون جزما وظنا والتصديقات الكاذبة تقع في القلوب بإلهام الشيطان وهي لا تتعدى الظن ولا تصل إلى حد الجزم (2) وفي الأحاديث تصريحات بأن من جملة نعماء الله على بعض عباده أنه يسلط عليه

١ - قوله «بل هو من الشيطان» والشيطان مخلوق الله تعالى والجهل المركب منه لكن خلقه نظير خلق سائر الشرور بالعرض على ما مر في باب الخير والشر ونظيره إزهاق روح الشهداء عند قتل الكفار إياهم فإنه بأمر الله تعالى ومباشرة ملك الموت وإن كان فعل الكفار قبيحا وشرا والجهل المركب الفائض على ذهن الغالط والمخطئ بعد تركيب مقدمات فاسدة نظير إزهاق روح المؤمنين بقتل الكفار، فإن كان المتفكر الغالط مقصرا في ترتيب المقدمات وكان جهلة في أمر الدين كان معاقبا نظير قاتل الشهداء وإن لم يكن مقصرا أو كان خطاؤه في أمر غير الأمر الديني كتناهي الأبعاد والجزء الذي لا يتجزأ فهو معذور. (ش) ٢ - قوله «ولا تصل إلى حد الجزم» أن أراد بالجزم: العلم واليقين فهو حق لأن الجهل المركب ليس علما ويقينا، والمأخوذ في العلم أن يكون موافقا للواقع ولكن المشهور المتداول في عرف الناس إطلاق الجزم على الظن الذي لا يلتفت الظان إلى مخالفته للواقع أيضا إذ ربما يحصل لبعض الناس رأي وعقيدة لا يخطر ببالهم غيره حتى يلتفتوا إلى احتمال كونه مخالفا للواقع ويجرون على ما ظنوه كما نرى من جزم الملاحدة بإنكار المبدأ والمعاد ودليلهم أنهما غير محسوسين لهم، ولا ينتبهون لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، وعوام اليهود والنصارى جازمون بمذهبهم تقليدا لآبائهم وقد رد الله تعالى عليهم جميعا ونبههم على خطئهم بقوله قالوا: (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيى وما يهلكنا إلا الدهر مالهم بذلك من علم أن هم إلا يظنون) وقال تعالى (أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) فنبههم على أن احتمال الخطأ على آبائهم قائم مركوز ذهنهم ومع هذا الاحتمال المغفول عنه جزمهم بالمظنون غير وجيه والعلم والظن صفتان أو عرضان من عوارض ذهن الإنسان يحصل بأسباب معينة ولا يمكن أن يحصل العلم من سبب الظن ولا الظن من سبب العلم كما لا يحصل الحرارة من الثلج والبرودة من النار، فإذا كان سبب الرأي والاعتقاد تقليدا الآباء الذين يعترف المعتقد بعدم كونهم معصومين عن الخطأ فهذا التقليد يوجب الظن لا العلم لكن المعتقد أخطأ في معاملة العلم مع هذا الظن والجزم به لعدم الالتفات إلى خلافه، وكذلك إذا كان مستند الرأي أن عدم الوجودان يدل على عدم الوجود أو توهم انعكاس الموجبة الكلية كنفسها وأمثال ذلك مما يسمى جهلا مركبا قد يجزم المعتقد به من غير أن يعلم به وقال أهل المنطق والأصول: العلم هو الاعتقاد الثابت الجازم المطابق للواقع فالجزم الغير المطابق للواقع ليس علما بل هو ظن، أي رجحان في طرف، وإن ضايق أحد في تسميته ظنا فعليه أن يثبت واسطة بين العلم والظن بأن يقول الطرف الراجح مع احتمال المرجوح أما أن يكون المعتقد به ملتفتا إلى احتمال المخالفة فهو الظن أو غير ملتفت وهو الجزم لكن في القرآن الكريم أطلق الظن على جزم الدهرية بمذهبم كما مر. (ش)
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين 3
2 باب الاستطاعة 38
3 باب البيان والتعريف ولزوم الحجة 47
4 باب اختلاف الحجة على عباده 57
5 باب حجج الله على خلقه 60
6 باب الهداية أنها من الله عز وجل 68
7 باب الاضطرار إلى الحجة 75
8 باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام)) 108
9 باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث 115
10 باب ان الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بامام 121
11 باب أن الأرض لا تخلو من حجة 122
12 باب أنه لو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما الحجة 128
13 باب معرفة الإمام والرد اليه 130
14 باب فرض طاعة الأئمة 150
15 باب في أن الأئمة شهداء الله عز وجل على خلقه 162
16 باب ان الأئمة عليهم السلام هم الهداة 167
17 باب ان الأئمة عليهم السلام ولاة امر الله وخزنة علمه 169
18 باب أن الأئمة عليهم السلام خلفاء الله عز وجل في أرضه 174
19 وأبوابه التي منها يؤتى 174
20 باب أن الأئمة عليهم السلام نور الله عز وجل 177
21 باب ان الأئمة هم أركان الأرض 183
22 باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته 193
23 باب أن الأئمة (عليهم السلام) ولاة الامر وهو الناس المحسودون الذين ذكرهم الله عز وجل 252
24 باب أن الأئمة (عليهم السلام) هم العلامات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه 260
25 باب أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) 262
26 باب ما فرض الله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) من الكون مع الأئمة (عليهم السلام) 263
27 باب أن أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة (عليهم السلام) 270
28 باب أن من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم هم الأئمة (عليهم السلام) 275
29 باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة (عليهم السلام)) 277
30 باب أن الأئمة قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم 280
31 باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) 281
32 باب أن الأئمة في كتاب الله إمامان: إمام يدعو إلى الله وإمام يدعو إلى النار 283
33 باب [أن القرآن يهدي للإمام] 286
34 باب أن النعمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الأئمة (عليهم السلام) 287
35 باب أن المتوسمين الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه هم الأئمة (عليهم السلام) والسبيل فيهم مقيم 288
36 باب عرض الأعمال على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) 291
37 باب أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية علي (عليه السلام) 293
38 باب ان الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة 295
39 باب أن الأئمة (عليهم السلام) ورثة العلم، يرث بعضهم بعضا العلم 298
40 باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم 301
41 باب أن الأئمة (عليهم السلام) عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها 309
42 باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة (عليهم السلام) وانهم يعلمون علمه كله 312
43 باب ما أعطي الأئمة (عليهم السلام) من اسم الله الأعظم 317
44 باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء (عليهم السلام) 320
45 باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله عليه وآله ومتاعه 323
46 باب أن مثل سلاح رسول الله مثل التابوت في بني إسرائيل 333
47 باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام 334
48 باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها 344
49 فهرس الآيات 354