شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٧٩
إلى غفرانه منصوبا على استواء الكمال ومجتمع العظمة والجلال خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام فأحق من أطيع فيما أمر وانتهى عما نهى عنه وزجر، الله المنشئ للأرواح والصور. فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت الله فأحلت على غائب (فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد) أي حاضر مع خلقه (وإليهم أقرب من حبل الوريد) أي كيف يكون غائبا وهو أقرب إليهم من حبل الوريد، وهذا مثال لكمال القرب ومعنى التفضيل ظاهر; لأن وريد كل شخص يكون قريبا ببعضه دون بعض، وقربه تعالى لما كان بالعلم والإحاطه كانت نسبته إلى الجميع على السواء، والحبل العرق والإضافة للبيان، والوريد عرق تزعم العرب أنه من الوتين (1) وهما وريدان غليظان مكتنفان صفحتي العنق مما يلي مقدمه، ينتفخان عند الغضب، يتصلان بالوتين يردان من الرأس (يسمع كلامهم) وإن كان خفيا فإنه يسمع من الكلام ما أظهره المتكلم وأبداه وما أسره وأخفاه (ويرى أشخاصهم) بذاته التي ينكشف بها كمال المبصرات ويظهر الأسرار والخفيات فهو يشاهد ويرى حتى لا يغيب عنه ما تحت الثرى (ويعلم أسرارهم) فإنه يعلم السر وأخفى ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (فقال ابن أبي العوجاء أهو في كل مكان) (2) الاستفهام لإنكار ما دل عليه قوله (عليه السلام) هو مع خلقه شاهد فإنه دل على أنه حاضر في كل مكان (أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض) أي لا يكون في الأرض. أورد النفي بصورة الاستفهام مع الرمز إليه; لأن «كيف» هنا للإنكار لغرض من الأغراض كترك التصريح بما يخالف اعتقاد المخاطب (وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء) أي لا يكون في السماء، والاستفهام في قوله «أليس» إما لإنكار السلب أو لحمله (عليه السلام) على الإقرار بمضمون الشرطيتين وهو الإقرار بأنه إذا كان في السماء لا يكون في الأرض وإذا كان في الأرض لا يكون في السماء ليورد عليه أن هذا مناف

1 - قوله: «تزعم العرب أنه من الوتين» نسبه إلى زعم العرب للإشارة إلى بطلان زعمهم فإن الوريدين لا ينشعبان من الوتين ولم يكن العرب عالمين بالتشرح والوتين هو الذي يسميه الأطباء أورطي والوريدان من الأجوف الصاعد. (ش) 2 - قوله: «أهو في كل مكان» الماديون لا يعتقدون بوجود موجود غير جسماني ولا يتعقلون شيئا لا يكون في مواضع هذا العالم قال تعالى (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) ولذلك لم يتصور السائل وجود مجرد نسبته إلى جميع الأمكنة نسبة واحدة وزعم أن الموجود إما أن يكون في مكان خاص فيكون بعيدا من الآخر أو في جميع الأمكنة على سبيل الاستغراق وهو غير ممكن إذ ليس لجسم واحد الإمكان واحد. (ش)
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست