ولما كانت المحبة بهذا المعنى محالا في حقه تعالى يراد بها ذلك اللازم يعني لم يرد أن يقال: هو إله من الآلهة الثلاثة: الله وعيسى ومريم كما قالت النصارى ودل على قولهم ذلك قوله تعالى (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين) (ولم يرض لعباده الكفر); لأن الرضا بالكفر قبيح لا يجوز إسناده إليه تعالى، وفيه رد على الأشاعرة لأنهم يقولون: أراد الله الكفر من الكافر وأراد أن يقال له «ثالث ثلاثة» بناء على ما تقرر عندهم من أنه تعالى أراد كلما له حظ من الوجود وإذا أرادهما فقد أحبهما (1) ورضيهما; لأن حبه تعالى للشيء ورضاه عبارة عن الإرادة، كما صرحوا به في كتبهم وصرح به أصحابنا أيضا.
ومن ثم قال ابن قيم الحنبلي وابن هشام على ما نقل عنهما شارح كشف الحق أن هؤلاء - يعني الأشاعرة - يقولون: إن كل ما شاء الله وقضاه فقد أحبه ورضيه، ولما رآى جماعة المتأخرين منهم شناعة هذا القول وقبحه حاولوا التحرز عنه فقال بعضهم: إرادته تعالى بجميع الأشياء حتى الكفر وغيره عبارة عن تقديرها، وتقديره للكفر لا يوجب أن يحبه ويرضاه.
وقال صاحب المواقف: الرضا عبارة عن ترك الإعراض والله [لا] يريد الكفر ويعترض عليه ويؤاخذ به، ويؤيده أن العبد لا يريد الآلام والأمراض وليس مأمورا بإرادتها وهو مأمور بترك الاعتراض عليها.
والجواب عن الأول: أن الإرادة لم تجئ لغة ولا عرفا بمعنى التقدير ولم يصطلح عليه سوى هذا القائل ولهذا لم يتمسكوا في دفع هذه الشناعة عن أنفسهم بهذا القول مع أنه لا ينفعهم أصلا لأن أفعال العباد كلها مخلوقة له تعالى عندهم ولا معنى لخلق الفاعل المختار لها بدون إرادتها فالقبح بحاله.
والجواب عن الثاني من وجوه: الأول أنه لم يثبت في اللغة ولا في العرف أن الرضا عبارة عن ترك الاعتراض بل الثابت فيهما أنه عبارة عن الإرادة وبذلك يشعر كلام ابن قيم في شرح منازل السائرين وكلام الآبي في كتاب إكمال الإكمال وكلام بعض شراح نهج البلاغة حيث قال: المحبة إرادة هي مبدأ