شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٦٥
الخامس - إن إرادة العبد لأفعاله مخلوقة لله تعالى وقد صرح به سيد المحققين في تفسير قول الصادق (عليه السلام) «خلق الله المشية ثم خلق الأشياء بالمشية» حيث قال: المراد بالمشية هنا إرادة المخلوقين والمراد أنه تعالى خلق إرادتهم بنفسها لا بمشية أخرى مباينة لها ثم خلق الأشياء يعني أفاعيلهم المترتب وجودها على تلك المشية بتلك المشية وصرح به أيضا السيد الشهيد الثالث الشوشتري في شرحه لكشف الحق حيث قال في بحث إبطال الكسب: أصل الإرادة مخلوقة له تعالى، والإرادة الجازمة التي صدر منها الفعل وهي الجامعة للشرائط وارتفاع الموانع اختيارية لنا لأنه إذا حصل لنا العلم بنفع فعل يتعلق به الإرادة بلا اختيارنا لكن تعلق الإرادة به غير كاف في تحققه ما لم تصر جازمة بل لا بد من انتفاء كف النفس عنه حتى تصير جازمة موجبة للفعل فإنا قد نريد شيئا ومع هذا نكف نفسنا عنه وذلك الكف أمر اختياري يستند وجوده على تقدير تحققه إلى وجود الداعي إليه فإن عدم علة الوجود علة العدم وعدم الداعي إلى هذا وهكذا وغاية ما يلزم منه التسلسل في العدمات ولا استحالة فيه وبالجملة الإرادة الجازمة اختيارية لنا لاستناد عدم كف النفس المعتبر فيها إلى اختيارنا وإن لم يكن نفسها اختيارية.
ثم ذكر ما أورده بعض الجبرية على قول العلامة الحلي في كشف الحق بأن إرادة العبد فعل من أن الإرادة إذا كانت فعلا وهي عندك وعند أصحابك مخلوقة له في العبد والعبد بها يرجح الفعل كان بعض أفعال العباد عندكم مخلوقا له فوافقتمونا في البعض فلا نزاع بيننا وبينكم فيه فلم لا يجوز ذلك في الكل حتى يرتفع الخلاف بالكلية، وأجاب عنه بأن أصل الإرادة من الأفعال الاضطرارية ومحل النزاع هو الأفعال الاختيارية وبما قررنا يندفع ما ينسبه إليه أهل الخلاف والمشنعون علينا من أهل الإلحاد من أنه إذا كانت إرادته متعلقة بكل شيء لزم أن يكون جميع المعاصي مرادا له وأن يكون قتل الحسين (عليه السلام) مرادا له.
(وقدر وقضى) (1) لعل المراد بالقدر تقدير الموجودات طولا وعرضا وكيلا ووزنا وحدا ووصفا

١ - قوله: «وقدر وقضى» وفي الحديث السابق تخصيص القدر بما يقرب مما ذكره الشارح وتخصيص القضاء بتعيين الأمكنة وبقي في هذا الحديث ثلاثة أمور غير مفسرة في الحديث السابق. الإذن والكتاب والأجل، والأجل هنا مندرج في التقدير في الحديث السابق، وأما الإذن فقال الشارح: هو العلم، وقال صدر المتألهين: هو الإمضاء الذي ذكر في الحديث السابق وقوله أبعد من التكلف، وأما الكتاب فلعله يشير إلى كون جميع هذه الأمور محتومة; لأن الكتاب كثيرا ما ورد في القرآن بمعنى الحتم والفرض مثل قوله تعالى: (لكل أجل كتاب) وقوله: (كتب ربكم على نفسه الرحمة).
فإن قيل: سمى تعيين الذاتيات والحدود مشيئة والعوارض اللازمة إرادة، وهكذا وما الفرق بينهما؟ وما هو وجه المناسبة والتخصيص؟ قلنا: علم ذلك بالتفصيل غير ممكن لنا وهو من الأسرار وعلوم الآخرة والإمام (عليه السلام) أعلم بما قال لكن نقول لتقريب المعنى إلى الذهن: إن كل واحد من ذات الشيء وصفاته مظهر اسم من أسمائه تعالى الدال على صفة من صفاته، ولا يبعد أن تكون المشيئة صفة له تعالى تناسب الذات والذاتيات، والإرادة صفة تناسب العوارض وتكون المشيئة مثلا أصلا بالنسبة إلى الإرادة، والإرادة فرعا عليه فناسب أن يكون المشيئة مصدرا للذوات التي هي أصل والإرادة مصدرا للعوارض التي هي فروع، وقد ذكر صدر المتألهين أن المشيئة بمنزلة الشوق، والإرادة بمنزلة العزم الجازم وبمثله نقول في تسمية تعيين المقادير قدرا وتعيين المكان والرتبة قضاء، وقد قال المشاؤون أن مصدر الأجسام في العقل الأول جهة إمكانه وماهيته ومصدر المجردات جهة وجوبه، وما ذكره الإمام (عليه السلام) أوضح وأقرب فيكون كل خصوصية في الأشياء من مصدر عند الباري تعالى مسمى بالقضاء أو القدر أو المشيئة أو الإرادة وغيرها من السبعة وفي اصطلاحنا للقضاء معنى أعم يشمل الجميع. (ش)
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»
الفهرست